قضية وسؤال
تبحث منظمة الدول العربية المصدرة للنفط ( الأوابك) عادة من خلال دراساتها وتقاريرها في حالات النمو و التطورات التي يشهدها أو التي من المتوقع أن يشهدها سوق النفط و الطاقة، حيث تستشرف من خلال تحليلاتها مستقبل القطاع ، مرتكزة بذلك على الشواهد المرحلية والامكانات المتوفرة وأفاق الخطط المستقبلية .وانطلاقا من هذه الحقيقة كيف ترى المنظمة حركة نمو صادرات الغاز العربية و ما رؤيتها لحجم النمو الذي سيشهده هذا القطاع ..؟ ترى منظمة الاوابك من خلال تقرير لها أن صادرات الغاز تنمو بمقدار ما بين 75 الى 82 و168 و181 مليار متر مكعب يوميا بين عام 2002 الى 2012 على التوالي أي أن الصادرات من الغاز يتوقع لها أن تنمو من مستواها البالغ 44 مليار متر مكعب عام 1995 بمعدل 11بالمائة و 8 بالمائة سنويا، بحد أدنى من 1995 الى 2000 حيث ان التوقعات تشير الى مضاعفة حجم تجارة الغاز العربية عام 2001 (3.4 مليار متر مكعب) وأن تتجاوز عام 2012 ثلاثة أضعاف مستواها السائد عام 1995 (1.7 مليار متر مكعب). وبينت الأوابك أن انخفاض نسبة الصادرات الموجهة الى أوروبا الغربية من نسبتها البالغة أكثر من 80بالمائة عام 1995 37.4 مليار متر مكعب الى حوالي ما بين 64 الى 69بالمائة حيث ستذهب الزيادة الى منطقة آسيا، وأوقيانوسيا (اليابان، كوريا) لتصل حوالي 22بالمائة عام 2002 الى 17.2 مليار متر مكعب علما بأن هناك احتمال زيادة نسبة صادرات الغاز من الدول العربية الى أوروبا الغربية الى حوالي 81بالمائة من اجمالي صادراتها نتيجة عدم امكانية تحقيق الزيادة من الاتحاد السوفييتي السابق. وتحفظ الباحثون على أن هذه التوقعات احصائية عامة بنيت على سلوك الانتاج المسوق، وتجارة الغاز خلال السنوات السابقة 1970 الى 1995 ومفترضة استمرار السلوك ذاته (علاقة خطية) في السنوات اللاحقة، وأن النمو الكبير المتوقع لحجم الصادرات من الدول العربية تدعمه قاعدة الاحتياطيات الغازية الكبيرة المثبتة في الدول العربية من ناحية، وقلة كلفة التطوير من ناحية أخرى. علاوة على القرب النسبي لهذه الاحتياطيات من الأسواق العالمية. وتتطلب توقعات الطلب على الغاز تمحيصا أكثر للأسواق المحتملة وتقييم مقدرة الدول والمشاريع المنافسة، الحالية، والمحتملة خاصة أن الغاز لا يمتلك سوقا عالمية واحدة وإنما توجد في العالم حاليا ثلاث أسواق رئيسية للغاز تضم السوق الأمريكية، والأوروبية، والآسيوية / المحيطية علما بأن هناك شبه اكتفاء ذاتي للسوق الأمريكي. وخلصت الأوابك الى أن العجز ما بين العرض والطلب في دول الاتحاد الأوروبي فقط غير ذي شأن في عام 2005 إلا أنه سيزداد الى حوالي 40 مليار متر مكعب عام 2012 وليتجاوز 150 مليار متر مكعب بحلول عام 2020 حيث ان الانتاج المحلي الأوروبي سيبلغ 220 مليار متر مكعب عام 2012 تغطي 46بالمائة من الطلب المحلي بها سيتقلص الانتاج الأوروبي الى 140 مليار متر مكعب عام 2020 ليغطي 27بالمائة فقط من الطلب المحلي ليصل العجز الكلي الى 165 مليار متر مكعب عام 2020 بدلا من 40 مليار متر مكعب عام 2012. أما السوق الآسيوي للغاز فسوف ينمو الطلب على الغاز المسال بأكثر من الضعف بحلول عام 2012 عما كان عليه عام 1995 بالغا 122.1 مليون طن مقارنة بـ 52.5 مليون طن حيث ستظهر أسواق جديدة علاوة على الأسواق التقليدية التي تضم الصين، وتايلاند، والفلبين. ولفتت الدراسة الى أنه بالرغم من الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي مرت بها العديد من دول هذه (المنطقة الآسيوية) إلا أن العوامل الرئيسية الفاعلة وتضم أزمة النمو الاقتصادي، والتشريعات البيئية، وسعي هذه الدول نحو تنويع مصادر الطاقة التي لا تزال هي العوامل الفاعلة ذاتها وراء زيادة الطلب على الغاز بها والذي بلغ استهلاكها منه 254 مليار متر مكعب أي ما يعادل 11بالمائة من مجموع الاستهلاك العالمي إلا أن حجم تجارة الغاز يشكل نسبة أكبر من ذلك بسبب تدني الانتاج المحلي للغاز في الدول الكبيرة والاستهلاك مثل اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية أي 20بالمائة من حجم الغاز المتاجر به عالميا والبالغ 452 مليار متر مكعب عام 2000. وبالنسبة لتقييم احتمالات الحاجة الى الغاز العربي رأت الأوابك أن تنامي الطلب الأوروبي في العقدين المقبلين وظهور نقص متوقع يقارب 50 مليار متر مكعب عام 2012 وأكثر من 150 مليار متر مكعب عام 2020 تؤدي الى احتمالات الحاجة الى الغاز العربي بجانب ما يصدر حاليا من شمال افريقيا (الجزائر وليبيا) والخليج العربي (قطر ودولة الامارات العربية المتحدة) وهو يعتمد على مدى قابلية مناطق التجهيز التقليدية على سد النقص من ناحية، ومدى تنافسية ودور مصادر أخرى موجودة حاليا أو في طور التكوين مع مصادر الغاز العربية من ناحية أخرى. ويتوقع حدوث طلب على الغاز العربي في السوق الأوروبي اضافة الى ما تم التعاقد عليه بحدود 40 مليار متر مكعب عام 2012 ونحو 150 مليار متر مكعب عام 2020، واستمرار المصدرين الرئيسيين (روسيا والنرويج والجزائر وهولندا) على امداد السوق الأوروبية بجزء كبير من احتياجاتها من الغاز في العقدين المقبلين، مع سعي كل من روسيا والنرويج والجزائر الى زيادة حجم صادراتها إلا أنها غير قادرة على تلبية كامل الطلب المتنامي علاوة على دخول مصادر تجهيز أخرى موجهة نحو أوروبا الغربية، وتركيا على هيئة غاز مسال لاسيما نيجيريا وترينداد. وأشارت الأوابك الى أن كثرة مشاريع التصدير الموجهة نحو السوق التركية والتي تشهد نموا كبيرا إلا أن كبر الاستثمارات المطلوبة لتشييد البنية المستقبلة للغاز ومنظومات النقل قد يكون عائقا يحول دون تحقيق توقعات الطلب التركي الكبير إلا أن لجوء تركيا ونجاحها مؤخرا في تمويل بعض مشاريع توليد الطاقة الكهربائية بأسلوب الاستثمار والملكية سيذلل نسبيا من هذه العقبات، كما أن هناك مجالا للغاز العربي رغم ما يجري تصديره حاليا الى السوق الأوروبية وتركيا لتلبية جزء من العجز المتوقع في أوروبا لاسيما لبلدان جنوب أوروبا، وتركيا على أن يكون منافسا في سعره بالنسبة لمشاريع الغاز الأخرى، والوقود البديل مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الآثار التي ستنتج عن اعادة تنظيم سوق الغاز الأوروبية. واحتمالات ايصال الغاز من الدول العربية الخليجية وايران بالأنابيب تبدو ضعيفة حيث بذلت جهود خلال فترة التسعينيات لتحقيق فكرة تزويد الهند وباكستان بالغاز بواسطة أنابيب تمتد من الخليج العربي علما بأن فكرة الأنبوب من عمان الى الهند ألغيت لأسباب اقتصادية فيما صارت الاكتشافات الكبيرة للغاز في باكستان السنوات الأخيرة سببا من اسباب الغاء فكرة ايصال الغاز الايراني اليها. أما ايصال الغاز الايراني الى الهند فقد أوضحت الأوابك أنه بالرغم من وضع احتمالات عديدة لمسار الأنبوب بحيث يتجاوز المياه الاقليمية الباكستانية فشلت لأسباب اقتصادية أيضا فيما برز العامل السياسي وضمان التجهيز حائلا دون المضي بفكرة مد أنبوب التصدير الى الهند عبر باكستان. وبين الباحثون أن تزويد أقرب الدول الى مصادر الغاز في الخليج العربي بواسطة الأنابيب لم ير النور على الرغم من توقيع مذكرات تفاهم، واجراء دراسات وتشكيل ائتلافات لتحقيق الفكرة ولكن تتجدد الدعوة بين آونة وأخرى وكان آخرها فكرة مشروع الدولفين والذي أعلن أن من أهدافه ايصال الغاز القطري الى باكستان مستقبلا إلا أنها لا تزال في طور الأفكار ومذكرات التفاهم. واعتبرت الدراسة أن الفرص الأكثر احتمالا لتصدير الغاز من دول الخليج العربي تبقى في مشاريع الغاز المسال مؤكدا أن ذلك يأتي من توقعات العجز الكبير مستقبلا والتي تصل الى أكثر من 100 مليار متر مكعب عام 2007 ونحو 225 مليار متر مكعب عام 2012 عند جمع العجز المتوقع في الدول المستهلكة الكبيرة (اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين وسنغافورة وتايلاند مع الهند وباكستان) يضاف الى ذلك المسافات البعيدة جدا بين مصادر الغاز في الخليج العربي والأسواق الآسيوية وعدم تحقق أفكار اقامة مشاريع التصدير بالأنابيب الى الأسواق القريبة. وأشارت الأوابك إلى أن المشاريع القائمة في الخليج العربي وبالذات تلك التي في قطر ودولة الامارات العربية المتحدة قادرة على الاستمرار وربما التوسع نتيجة القاعدة الكبيرة من الاحتياطيات، والخبرة المكتسبة فيها ولكن على الرغم من التقدم التكنولوجي، وما صاحبه من تقليص في التكلفة سواء في مجال انتاج، ومعالجة الغاز، أو في تسييله ونقله تبقى هذه المشاريع مكلفة، وذات ربحية أقل من مشاريع تصدير الغاز بالأنابيب.