بندر السفير

لماذا نكره الدوام؟

منذ كنّا طلبة إلى أن أصبحنا موظفين ونحن نحمل في دواخلنا عبئا كبيرا ألا وهو الالتزام بالحضور للعمل، لدرجة أن العواصف والفيضانات والحرائق وبعض الكوارث تصبح -للأسف- أمنيات لدى البعض على أمل أن تتسبب في تعطيل الدوام، أجمل الأيام كان يوم الأربعاء وأصبح الخميس، وأكثرها قبحاً لدى البعض هو يوم السبت الذي أصبح يوم الأحد، ولا أعتقد أن منّا من يطرب لسماع نغمات منبه ساعة الإيقاظ مهما كانت عذبة، نحضر للعمل ببطء شديد عَلّ وعسى أن يحدث الله أمراً، ونغادر العمل بسرعة قد لا تلتقطها كاميرات "ساهر"، نغادر أعمالنا نهاية اليوم في الوقت المحدد بالضبط وبكل أمانة وخوف من الله بينما يغفل البعض عن ذلك عند الحضور صباحاً. هل نحن شعب كسول يكره الانضباط كما يعتقد البعض؟ أم لكل فعل رد فعل وهنالك أسباب أخرى؟ هل عدد ساعات العمل أطول مما هو مفترض أم بيئة العمل محبطة؟ هل تعامل المدير أحد الأسباب أم روتين العمل قاتل بطيء؟. نحن نعمل بمعدل ٨ ساعات يومياً أي ثلث يومنا يذهب للعمل وهو وقت أكثر بكثير من الوقت الذي نقضيه مع أقرب الناس إلينا، وبالتالي ثلث حياتنا نقضيها ونحن نعمل دون أن نشعر فهل هذه هي الطريقة التي نتمنى أن نقضي بها ثلث حياتنا؟ وهل هذا هو الوضع النفسي الذي نطمح أن نعيشه كل تلك السنين؟ الإجابة بالتأكيد لا وألف لا. المسألة ليست بالسهلة أو العابرة كما يظن البعض؛ لأنها تؤثر بشكل كبير على إنتاجية وولاء كل منّا وعلى نمط حياته أيضاً، وبالتالي ينعكس ذلك سلباً على المنشأة التي نعمل بها. لذا، تقع المسؤولية من وجهة نظري الشخصية على عاتق أطراف ثلاثة هي: العامل وصاحب العمل والجهة التي تنظم العمل كوزارة العمل أو وزارة الخدمة المدنية. والمسألة لا تحتاج لاختراع العجلة من جديد، بل يمكننا اقتباس كثير من التجارب العالمية، والتي حققت نجاحات باهرة في تطوير بيئة العمل، وانعكس ذلك على إنتاجية موظفيهم وولائهم لأعمالهم، وهذا ما قامت به قلّة من المنشآت المتطورة لدينا والتي ستحدث فارقاً كبيراً بينها وبين منافسيها بشكل ملحوظ. كل ما يحتاجه العامل هو بيئة عمل نموذجية تتّسم بالرقي والإبداع والراحة والشفافية والعدالة بدءا بمقر المنشأة وتصميمه؛ لأن المسألة ليست طاولات وكراسي في شقق، مروراً بالسياسات والإجراءات والتي يتناساها بعض المدراء وأصحاب العمل إذا لم يعجبه الموظف، وكذلك عدد ساعات العمل التي أصحبت بالكم وليس بالكيف، وانتهاءّ ببرامج التدريب والتطوير والمسار الوظيفي إضافة إلى التواصل الفعّال بين أفراد المنشأة ومستوى مرتباتها والتقدير والتحفيز أيضاً. هذا ما يميّز منشأة عن أخرى ويجذب أفضل الكفاءات إليها. لذا، يجب على الجهات المنظمة للعمل وصاحب العمل أن يعملا سوياً وبشكل تكاملي وليس بشكل تنافسي وعن كثب لتحقيق ذلك وتحديد أفضل المعايير والتطبيقات العالمية التي تساهم في تطوير بيئة العمل، وبعد ذلك يمكن رفع معايير اختيار الموظفين وزيادة المستهدفات المطلوبة منهم؛ لتغطية كل تلك النفقات، مفعليّن بذلك مبدأ الاستثمار في الموارد البشرية. الخلاصة: بيئة العمل هي نمط حياة.. فلنحب ما نعمل؛ حتى نعمل ما نحب. دمتم بخير،،،