مثقفون من المملكة ومصر يحثون المؤسسات الثقافية على تفعيل التعاون الثقافي بين البلدين
أكد مثقفون سعوديون ومصريون على أهمية الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لجمهورية مصر لما يمثله البلدان كونهما قطبين رئيسين في العالم العربي ولثقلهما الحضاري والاقتصادي والثقافي عربيا.وأكد المثقفون أن هذا الانفتاح بين المملكة ومصر سيكون له انعكاسات ايجابية على العالم العربي ووحدته،وأشاروا إلى أهمية تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين من خلال التواصل بين المؤسسات الثقافية والاستفادة من الخبرات في الجوانب الثقافية والفنية لتحقيق هذا التكامل والتواصل بين أدباء المملكة ومصر في الاستطلاع الذي أجراه (الجسر الثقافي) حول الدور المطلوب من المؤسسات الثقافية لتعزيز التكامل والتعاون الثقافي بين البلدين.تعاون ثقافييقول الأكاديمي والناقد المصري د. حافظ المغربي: الآثار المرتقبة عميقة وفاعلة بقدر عمق التاريخ بين بلدين يمثلان - بصدق - جناحي الأمة العربية علی كل الأصعدة، فما بالنا بالحراكين الثقافي والفني، فمن الممكن تفعيل مؤتمرات دولية مشتركة في شتى المناحي الثقافية وبخاصة الوليدة منها في السعودية كفني السينما والمسرح، كما يمكن عقد بروتوكولات تعاون علی الصعيد الثقافي العام متمثلا في المؤسسات التي تعنى في هذا الصدد بالشأن الثقافي مثل الإدارة المركزية للأندية الأدبية في السعودية، والإدارة العامة لقصور الثقافة بمصر، وكذلك بين وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام بالسعودية ومثلهما المجلس الأعلى للثقافة بمصر، للافادة المتبادلة في الخبرة المنوطة بإعلاء الشأن الثقافي علی مستوى الفكر والأدب والنقد الأدبي والفني والسينما والمسرح وغيرها وأن يتم هذا التنسيق بين وزارتي الثقافة والتعليم بين البلدين الشقيقين، لأن للتعليم دورا مهما علی مستوى الجامعات بخاصة في هذا الشأن وبخاصة أن عدد الطلاب السعوديين الذين يدرسون بالجامعات السعودية كثيرون، فيمكن عقد بروتوكول تعاون ثقافي شامل بين الجامعات في البلدين تشرف عليه سفارتا البلدين. مؤسسة الفكروقال الروائي السعودي عبدالعزيز النغميشي: إذا أردنا أن نستثمر الشراكة الجامعة التي دشنها خادم الحرمين الشريفين والرئيس عبدالفتاح السيسي في شتى المجالات توجب علينا أن نتوقف عند الشأنين الثقافي والفني لما لهما من تأثير مباشر على تأصيل التواصل المجتمعي للبلدين. فالفكر ثري في البلدين وعلينا وضع أسس تقوم بتناغم هذا الفكر لينتج لنا ثقافة وعي ومحبة إنسانية تطير بنا الى الآفاق العربية والعالمية الحديثة. أما الجانب الفني فنحن وهم همنا العربي واحد ومشاكلنا الاجتماعية متشابهة، لديهم خبرة يجب أن نستفيد منها ولدينا امكانات عليهم الاستفادة منها لينتج ابداع يعود بالبصمة العربية على الابداع، ولتنفيذ مثل هذه الرؤى علينا التفكير عمليا في ذلك. فعلى سبيل المثال يمكن الاستفادة من مؤسسة الفكر العربي وحبذا لو تم تأسيس شركة انتاج عملاقة للانتاج الفني شركة مساهمة يناط بها الأعمال المميزة للفنين المصري والسعودي على حد سواء، فالكوادر المصرية المؤهلة ستنهض بالأعمال السعودية والطاقات الفنية الشابة السعودية العصرية ستساهم في نقل المنتج الفني المصري من المحلية إلى العربية والعالمية. عمل تنفيذيمن جانبه يرى الشاعر والكاتب السيد الجزايرلي أن العلاقات الثقافية بين مصر والمملكة علاقات متجذرة تنمو بصورة مستمرة، لكنها ـ للأسف ـ تنمو على الهامش وعلى المستويات الفردية القائمة على العلاقات، لا على المستويات المؤسسية القائمة على الاستراتيجيات. فالمثقف السعودي- الفرد أصبح حاضراً بقوة في المشهد الثقافي المصري من خلال المشاركة في الفعاليات والأنشطة الثقافية التي يدعى إليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المثقف المصري- الفرد الذي يرتبط ـ أيضاً ـ وجوده في المشهد الثقافي السعودي بالعلاقات الشخصية أو بحكم الإقامة والعمل في المملكة، وبالتالي فإن أي مبادرة للانفتاح الثقافي على المستوى الرسمي المتمثل في أجهزة الدولتين الشقيقتين سيعزز هذه العلاقات ويمنحها أفقاً أوسع من حيث التعاون العام أو الجماعي.ويضيف الجزايرلي: إن اتفاقية التعاون الثقافي التي تم توقيعها ـ مؤخراً ـ بين وزارتي الثقافة في مصر والسعودية ضمن حزمة الاتفاقيات التي أبرمت في إطار زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر من الضروري أن يتم توظيفها واستثمارها لتوسيع نطاق التعاون والتبادل الثقافي الرسمي في مجالات الإنتاج الثقافي بروافده المختلفة من حيث الطباعة والنشر للأعمال الفكرية والنقدية والسردية والشعرية، ومن حيث تنظيم وإقامة الفعاليات العلمية والأدبية والمسرحية والتشكيلية، وكذلك من حيث الإنتاج الفني وتبادل الخبرات.ويلفت الجزايرلي إلى أمر مهم، وهو أن هذه الاتفاقية لن تحقق أهدافها إلا من خلال تحويلها إلى مسارات عمل تنفيذي تنتج عنها صياغة مذكرات تعاون تهدف إلى تعزيز مجالات العمل الثقافي المشترك بين أجهزة الوزارتين. فنرى ـ مثلاً ـ الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون في المملكة تنفتح على الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة وقطاع الفنون التشكيلية وقطاع الفنون المسرحية في مصر، مؤكداً أن هذه المذكرات ـ إن تمت صياغتها وتم تفعيلها ـ ستحدث حراكاً ثقافياً بالغ الأهمية، وستعود بفوائد كبيرة جداً على الشعبين والبلدين. فهناك الكثير من الحلقات المفقودة التي تجعل صورة المشهد الثقافي لدى الجانبين صورة منقوصة وغير مكتملة الملامح، وبخاصة من الجانب السعودي، حيث لا يعرف المثقف المصري ولا العربي إلا القليل عن حقيقة ما وصلت إليه التجارب الثقافية السعودية على مستوى الفنون التشكيلية أو المسرحية، وأدبياً على مستوى الكتابات النقدية والسردية والشعرية، هذه الروافد الثقافية كلها عبارة عن مشاهد مبتورة في ذهنية المثقف المصري الذي لا يعرف إلا بعض الأشخاص ويعتبرهم حالات فردية خرجت من الشرنقة فظهرت ثم تحققت، بينما الواقع في المملكة يوضح لنا أن هذه الحالات الفردية المبدعة جزء صغير من مشهد كبير.ويختم الشاعر السيد الجزايرلي قائلاً: أعتقد أنه بات من الضروري - بل من الحتمي - أن تبذل وزارة الثقافة والإعلام السعودية - بكل هيئاتها ومؤسساتها - المزيد من الجهود لتقديم المشهد الثقافي السعودي بكل تفاصيله على النحو الذي يليق به في الوقت الراهن، لتغيير الصورة الذهنية النمطية التي أصبحت عبئاً على المثقف السعودي، وصارت تطارده في شكل أسئلة شائكة ومتشككة توجه إليه في كل مناسبة يشارك فيها، وفي كل دولة يذهب إليها. ثقافة مميزة ويرى الشاعر السعودي سعد عبدالله الغريبي أن العلاقات المصرية السعودية علاقات وطيدة وعريقة لما يربط البلدين من أواصر الإسلام والعروبة واللغة، فبحكم وجود الأماكن المقدسة في الأراضي السعودية وبحكم الجوار أصبح الشعبان السعودي والمصري لصيقين. ومن آثار هذا التقارب أن تطورت العلاقات الثقافية تطورا كبيرا، فالمعروف عن مصر أنها منبع الثقافة والفن والإبداع، منها نهل كل العرب وتلقوا دروسهم عن علمائها وأدبائها سواء الذين أقاموا فيها ودرسوا فأخذوا منهم شفاها أو الذين درسوا على مؤلفاتهم ونتاجهم، ولا ننسى المدرسين المصريين الذين كانوا من أوائل من تلقينا على أيديهم العلم في مدارسنا. وفي العقود الأخيرة أصبحت العلاقات الثقافية علاقة تبادل وتعاون وتكامل فقد خطت المملكة خطوات باهرة في الجانب الثقافي ما جعلها قادرة على مبادلة ثقافتها بدلا من استيرادها فقط. ومن يستعرض تاريخ العلاقة بين البلدين يلحظ أن العلاقة لم تكن فاترة يوما ما حتى في أيام قطع العلاقات الرسمية، والمؤمل الآن المزيد من التقارب الثقافي والتعاون والتكامل.ويتابع قائلا: كل من المملكة العربية السعودية ومصر يملكان من المقومات ما يمكنهما من تقديم ثقافة مميزة ويملكان من المؤسسات الثقافية المؤهلة لهذا الدور، وأعتقد أن تبادل الخبرات قائم بالفعل في مختلف الجوانب فتكاد لا تجد ندوة أو معرضا أو مهرجانا مصريا إلا ومن بين المشاركين عدد من السعوديين والعكس صحيح. فالقسم الثقافي في السفارة المصرية لديه جهد ثقافي واضح، وقد دأب على توجيه الدعوات للأدباء والمثقفين السعوديين لحضور ما يعقد فيه من فعاليات. وهناك من السعوديين من اختار مصر مقرا لمؤسسته أو صالونه ولعلنا نذكر في هذا المجال الشاعر حسن عبدالله القرشي، فبعد أن توفاه الله أنشأ ورثته جائزة للشعر تحمل اسمه تمنح لأفضل ديوان شعر عربي كل عام.ومن المؤسسات الثقافية المميزة التي وقفت عليها بنفسي مؤسسة بنت الحجاز الثقافية التي أنشأتها في مصر الأديبة السعودية دلال كمال راضي، وقد أقامت خلال العامين الماضيين مهرجانين أدبيين أقيما مواكبين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب شارك فيهما أدباء من مختلف الدول العربية بما فيهما مصر والسعودية،وهناك من ذوي الصالونات الدائمة في المملكة من ينقلون صالوناتهم معهم متى ما انتقلوا إلى مصر بعض الوقت، والمتوقع أن نشهد المزيد من التقارب على كافة الأصعدة الثقافية. يقع على عاتق المؤسسات الثقافية عبء النهوض بالجانب الثقافي وتطويره وإنمائه، ثم إتاحة الفرصة للتواصل بين مثقفي البلدين بغرض تبادل هذه الثقافات وتعزيزها. وأعتقد أن الإعلام - بكل قطاعاته - يمثل أهم قنوات التواصل بين الشعبين، لذا أرى من واجب القنوات التلفزيونية إنشاء برامج مشتركة ورسائل يومية وتغطية واسعة للمناسبات الثقافية في البلدين الشقيقين. وفي مجال الصحافة أرى إضافة ملاحق ثقافية في الصحف والمجلات لتغطية الأخبار والفعاليات التي تقام هنا وهناك.كذلك أرى إقامة مهرجانات ثقافية بشكل دوري تعقد تارة في مصر وتارة في السعودية وتكون شاملة لمختلف الفنون والآداب.إعادة صياغةويقول القاص محمد المنصور الشقحاء: إن المملكة العربية السعودية ومصر وجهان لعملة واحدة منذ عقود، تواصل اجتماعي وثقافي على كافة الأصعدة والتوتر الذي يحصل بين وقت وآخر عتاب بين أفراد أسرة واحدة. وفي المجال الثقافي كتاب ومسرح وموسيقى وسينما، هناك استثمار قائم وتبادل الخبرات والتجارب والمعرفة ولم يتأثر بما هو سياسي. نحن نحترم الإنسان المصري ونشعر بأثر الكتاب المصري في معرفتنا كما نطرب للغناء المصري والموسيقى والسينما المصرية والمسرح، وتراجع الاهتمام بسبب تعدد منافذ العرض زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أعادت صياغة مسار التواصل من خلال إشعار الساسة في مصر بأن مشاعرنا لن تتبدل وفق ما يحدث داخل مصر. مصر الأرض والإنسان هي السعودية الأرض والإنسان والبلدان صمام الأمان للعروبة والإسلام. المبادرة المجيدة ويؤكد أستاذ الأدب والنقد المشارك بجامعة الملك سعود أبو المعاطي الرمادي أنه سوف ينعكس هذا الانفتاح السياسي الاقتصادي على العلاقات الثقافية والفنية. فقد أذابت هذه المبادرة المجيدة جليد الاختلاف الذي بلغ ذروته في السنوات الخمس الأخيرة بين المثقفين في البلدين وحطمت أفكار الظلاميين المتربصين باستقرار البلدين وانطلاقهما لقيادة دفة المنطقة الى بر الأمان، حيث الاستقرار والتنمية والأمن الفكري، وهو أمن لا يستهان به في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ منطقتنا العربية. سوف يترتب عليها زيادة التعاون الرسمي بين مؤسسات البلدين، وهو تعاون تقلص في السنوات الأخيرة أمام التعاون الفردي العشوائي ذي الفائدة المحدودة، لذا يجب على مؤسسات البلدين وضع خطة تعاون طويلة المدى ذات أهداف قومية محددة تشرف على تنفيذها وزارتا الثقافة في البلدين، حتى لا تتعارض المشاريع وتفقد قيمتها وتصبح مشاريع شكلية الغرض منها (الشو) الإعلامي.