«التحلية» «9»: المراجعة الشاملة
¸ ¸ أصل المشكلة.. خلقتها وزارة الزراعة والمياه سابقا.. ما تم انجازه من قبل هذه الوزارة.. مع الطفرة الأولى.. أصبح كارثة على المياه الجوفية.. ذلك ثبت للجميع.. وخير مثال: التوسع غير المدروس في زراعة القمح والشعير.. وزراعة الأعلاف والنخل والفواكه.. هل التحلية جزء من منظومة هذا الإنجاز الفاشل؟!.. مبررات وجود التحلية ظلت عصية على فهمي.. أسعى لإيجاد مبرر مريح.. هناك أشياء لا يعرف عنها المواطن أي شيء.. لا يعرف إلا كونها إنجازا عالميا.. هذا صحيح.. لكن كان هذا على حساب ضياع واستنزاف وإهدار المياه الجوفية.. إذا فشل الإنجاز وهوى.. تضيع الأموال.. وكان يمكن استثمارها بشكل أفضل.¸ ¸ وزارة الزراعة والمياه سابقا اعتمدت توجهات.. وصفها وزيرها في حينه.. بأنها اجتهاد.. واعترف بخطأ هذا الاجتهاد.. كان ذلك في مقابلة تلفزيونية سمعتها بنفسي.. تساءلت في حينه.. كيف يخضع دولة ومستقبل أجيال قادمة للاجتهاد؟!.¸ ¸ لنأخذ مثالا على فشل الدراسات التي خلقت موجة من الخوف من نضوب المياه.. وهذا تحليل شخصي.. هذا الخوف كما يظهر لكاتبكم عزز القناعة بأن (التحلية) خيار استراتيجي.. السؤال المهم: هل تعمّدت الشركات الاستشارية والتنفيذية إعطاء نتائج مغلوطة لصالح شركات (التحلية)؟!.. هل كانت هناك علاقة مصالح بين هذه الشركات جميعها؟!.. أسئلة مهمة.. وهناك أخرى أكثر أهمية. ¸ ¸ لتعزيز تحليلي الشخصي.. أقدم لكم مثالا واضحا.. مشروع آبار الوسيع.. هذا مشروع يبعد عن الرياض بحوالي (100) كيلو متر على الطريق بين الدمام والرياض.. تم حفر (60) بئرا على تكوين الوسيع المائي؛ لتغطية حاجة العاصمة من مياه الشرب، بعد نقل السفارات من جدة إلى الرياض.. أوصت الشركات بأن تكون المسافة بين كل بئر وأخرى (500) متر لضمان عدم وجود تداخل بين الآبار.. لأن قصر المسافة بين الآبار ينتج عنه هبوط مناسيب المياه بشكل حاد.¸ ¸ تم تنفيذ المشروع بالمواصفات.. بعد بدء التشغيل هبطت المياه الجوفية بشكل حاد ومخيف ومقلق.. كنتيجة تم اتخاذ قرار، بناء على طلب وزارة الزراعة والمياه سابقا، بضرورة إنشاء محطات التحلية في الجبيل لتزويد الرياض فورا، وبأسرع وقت بالمياه العذبة.. وبالفعل تم العمل ليلا ونهارا إلى أن تم إيصال المياه للرياض بواسطة أنبوبين يمتدان من الجبيل إلى الرياض.. وبتكلفة باهظة الثمن.. هكذا كانت النتائج بسبب دراسات مغلوطة.. فهل تم اتخاذ أي إجراء ضد منفذي هذه الدراسة؟!¸ ¸ الصحيح الذي كان يجب أن يكون.. أن المسافة بين كل بئر وأخرى كان يجب ألا تقل عن مسافة (700) متر.. لكي لا يحدث هبوط في منسوب مياه الوسيع.. هناك مشاريع اخرى كانت نتائج دراستها مغلوطة.. كلفت الكثير.. منها مشروع جلب المياه عبر أنابيب من أحد مواقع الأودية القريبة من الطائف.. بعد تنفيذه بالكامل اتضح خطأ الدراسات.. كنتيجة تم إهماله دون مساءلة.. وتم اللجوء لجلب المياه المحلاة للطائف من جدة.. وهكذا يمكن القياس على كل شيء نفذته هذه الوزارات المعنية.¸ ¸ تلك الأمثلة تحمل بعض ملامح الإجابات.. تجعلني أعتبر أن (التحلية) جزء من منظومة المشاريع الفاشلة.. حتى وإن رأيناها انجازا.. جدواها الاقتصادية تثير العجب.. وهذا أمر يؤكد لي أنها ليست خيارا استراتيجيا ولن تكون.. الخيار الاستراتيجي يكمن في المياه الجوفية العميقة غير المتجددة.. ولكي تظل كذلك.. أدعو لوقف التوسعات الزراعية المضرة في مناطق الصخور الرسوبية.. بجانب حزمة أخرى من الإجراءات.. بجانب ضرورة اللجوء إلى المناطق المطيرة المعروفة في المملكة.. تعتمد على مياه الأمطار.. التي هي أساس تواجد المياه الجوفية المتجددة.¸ ¸ أيها القوم في الوزارات المعنية.. عليكم بجبال السروات وسهول تهامة.. هل أقول: (يا سارية الجبل.. الجبل).. بالتأكيد لن يسمعني أحد.. ثلاثة عقود من الكتابة والمياه تزداد نضوبا واستنزافا واهدارا.. أي منطق جعلنا نمحو من الوجود مزارع البلد التاريخية.. ثم نتوسع في زراعة الصحراء؟!.. نتجاهل المناطق الزراعية التاريخية.. ثم نستصلح في الصحاري والقفار في ظل شح المياه السطحية؟!.. علينا مراجعة الوضع الزراعي والمائي برمته.. ويستمر الحديث بعنوان آخر.