عبدالله السفر
من منا لا يحب السير في طريق معلوم محفوظ، والمحطات فيه ثابتة لا تتغير. وانت مغمض العينين تعرف مسافات الطريق التي قطعت وتلك التي يجب قطعها. تقدر سرعتك ومواعيد وصولك، لا تلقى العنت ولا الاضطراب ولا الزحمة ولا اللخبطة في جدول ما رتبته من امور، تنجزها على مهل العالم العارف الذي حزم أمره وضبط مواقيته بدقة متناهية، لن يلفته عنها ضوضاء غير محتملة ولا منعطفات مخفية.كل شيء واضحكل شيء دقيق في مكانهوهكذا نمضي على القضبان الرتيبة، بوتيرة واحدة ، وايقاع لا يتغير.هذا هو الأمان الذي يسعى اليه احدنا، ويريده خيمة تظلل حياته من شمس المخاطرات ورعد المفاجآت وغيوم المباغتات السوداء غير المنتظرة. والخروج من هذه الخيمة يعد ضربا من المغامرة التي لا تحمد عقباها. وكم هي الدروس المنثورة والحكايات المبذورة، تنذر بالمصير الاسود لمن حاول ان يبدل او يغير في وضعيته المستقرة وأحواله الهانئة، فلم يربح سوى الخيبة المريرة ودعوات التحسر ويا ريت اللي جرى ما كان ولاصار. وربما ناله التبكيت ممن حوله الذين نصحوا ودعوا الى التزام العقل وعدم التهور والانزلاق في طريق غامض غائم.نطاق الراحة ندخله، ولا نريد أن نجاوزه.. نخرج منه الى عالم آخر وتجربة أخرى. رتبنا مسيرة حياتنا في هذه المنطقة واحتبسناها من ان تجري في مسار مختلف ذي أنغام وأصداء لم نسمع بها وليس لدينا الجرأة أن نفتح الأذن للاستماع اليها، لان فيها من الاغواء والجاذبية ما يجعلنا ننجرف وراءها الى ما لا نعلم. قد يكون الخسارة. قد يكون الندم. قد يكون التفريط في مكتسبات تعبنا كثيرا في تحصيلها وحفيت منا الأقدام في مطاردتها وتجميعها. فكيف نسمح لأنفسنا بالاستماع والمغامرة هكذا في خفة وطيش لمجرد التجريب والخروج الى غير ما تعودناه وألفناه ، وبات يحمل الينا الطمأنينة والراحة والهدوء.اذا غامرنا بصنع الفتوق والشقوق في خيمة أماننا، فهذا يعني أننا سوف نغدو في قبضة الريح، كمن يسلم أمره لقائد مجنون يطوح مركبته في الوعر وفي المهاوي. باختصار نصبح خارج السيطرة. لذا نركن الى ما عهدناه، نمارسه بآلية. ننبذ الجديد ونتحامل عليه، ونرى فيه عنصرا يهددنا ويطير النوم من عيوننا.ياليت النوم يطير. ألم يشققنا الضجر بعد؟!