فهد السلمان

التطرف والترفيه.. الكيمياء المتنافرة

الجميع يحارب التطرف، حتى المتطرف يحارب التطرف، هذه هي النكتة السوداء الأكثر حضورا في واقعنا دون أي مناقشة جادة وموضوعية، لكن لماذا كل هذا اللبس؟، لماذا كل هذا العمى السديمي في الرؤية لهذه الاشكالية التي لا تزال تعبث في صيغة حياتنا، وتهدد مستقبل أبنائنا؟، هل لأن التطرف هو توأم الإرهاب السيامي، والذي فشل العالم، أو تعامى عن التوصل إلى تعريف دقيق له، ليبقيه بلا شهادة تعريف خدمة لمصالحه؟، أم لأنه بالفعل كائن زئبقي غير قابل للإمساك وللتسمية؟. أسئلة كثيرة، يمكن أن تقطر خلفها أضعاف أضعافها، ودائما دون الوصول إلى أي نتيجة، لأن هنالك من يستفيد من هذا الالتباس المفزع، لكن إذا كانت هذه هي الصورة الدولية لهذا الكائن القاتل، فلماذا لم نتمكن على المستوى المحلي على الأقل، ونحن من اكتوى بنيران التطرف من تسميته وتعريفه بالثوب وبالشماغ، وليبق العالم إلى ما شاء الله يبحث عن تعريفه الخاص لتطرفه وإرهابه؟، أيضا ليست هنالك إجابة، لأن صناع التطرف في الغالب هم من يدّعون محاربته، خاصة في ظل غياب جهة احتكام مستقلة، وانكفاء الجامعات، وغياب مراكز الدراسات والبحوث العلمية، التي تتناول القضية من خلال تفاصيلنا الفكرية، وظروفنا الاجتماعية، وليس من خلال ما يطرح دوليا مغلفا في الغالب بمغلفات سياسية، واضطرار الجهات الأمنية لعدم الخوض في اشكاليات التعريف، على اعتبار أنها الطرف الوحيد الحقيقي في المواجهة، وبالتالي فهي لا تريد أن تكون الخصم والحكم. ما كان يجب أن يُقال طيلة الفترة الماضية إن التطرف يرى الترفيه عدوه الأول، وإن الفساد امرأة، ونقطة على السطر. لأن سيطرة ثقافة العبوس واليأس، وفكر التصحر، لا يمكن إلا أن تفضي إلى اختيار عدو سهل اصطياده لإقامة حروبه معه، خاصة حينما يكون المجتمع بطبيعته مجتمعا محافظا، وهذا ما أتاح الفرصة أمام كل الأمراض الاجتماعية الأخرى للتمدد، وأخذ راحتها، لأنها خارج دائرة الرؤية والتصنيف، وهو ما أدى ايضا إلى استشراء المخدرات رغم الحرب الضروس التي تقودها الجهات الأمنية ضدها، وسواها من المفاسد التي استفادتْ من عملية حني الرقاب إلى مطاردة الترفيه وقطع الأكسجين عن رئتيه، أو تدجينه وتغيير جيناته وهرموناته في حال السماح له، ليتحول إلى شيء ما يتنكر بثيابه، فيما لا علاقة له به. ورغم أني لست من المقتنعين بأن الترفيه يمكن أن يكون صناعة حكومية، ولا يلزم- في تقديري- أن يكون كذلك، لأنه يفترض أن يكون نتاج ثقافة مجتمع، تتبناه مؤسسات مجتمع مدني، إلا أني أؤمن تماما أنه لا سبيل لمواجهة التطرف بشكل عملي وفاعل، إلا من خلال ترقية دور الترفيه بأي شكل، وتحت أي مظلة، لزيادة مساحات اللهو البريء باتجاه التخفيف من حدة الاحتقان، وتفكيك العبوس بزرع المزيد من الابتسامات، لإخراج الشباب تحديدا من هذه الحالة النشاز من التمرد، والتي تتمثل في العديد من أشكال التهور، والتي تصل أحيانا إلى مراحل متقدمة لا تتسق إطلاقا بانتمائها لمجتمع محافظ، لأنها تبدو أكثر فسقا من امكانية انتاجه لها، رغم أنه من الواضح أنها نتاج الكبت المبالغ فيه، وسدّ كل الأبواب أمام البهجة، وملاحقة الترفيه كما لو أنه غول قاتل، حتى تبدو عملية قبض على مجموعة شباب يعزفون على العود في إحدى الحدائق العامة، كما لو أنها أعظم انتصار للقيم وللأخلاق والآداب العامة.