لمى الغلاييني

ثعابين تسمم النمو

لا تتمسك بالكذب على نفسك لمجرد أن تثبت زورا أن حياتك الماضية لم تمتلئ بالعديد من المعارك الطفولية والأهداف السرابية، ولا تخدع نفسك بالاستماع إلى المستوى السطحي فقط من شريط أفكارك، وكن شجاعا ولا تخف من قسوة المواجهة إن عقدت النية على البدء من جديد، فمن المحزن جدا أن نكتشف يوما أنه كانت هناك طرق أرقى للعيش ضاعت من أيدينا بالعناد المغرور والانشغال في تجميل أقنعتنا الخارجية، فالارتقاء الأخلاقي هو الشغف الأهم لحياتنا، ومن ينكص عنه فقد عزم على تكرار السنة الدراسية الأولى في مدرسة الحياة إلى ما لا نهاية.عندما ننوي خوض الرحلة سنكتشف أننا نلعب لعبة السلم والثعبان، فهناك أفكار ومشاعر تصعد بنا السلم إلى مدارج عالية من الارتقاء الأخلاقي والنمو الروحي، وأخرى تجعلنا نتزحلق فيها على سطح ثعبان يهبط بنا إلى مستويات دنيا من الممارسات والاتجاهات، ولأننا نخاف الهبوط أكثر من حرصنا على الصعود، فقد يهمنا الكشف عن هذه الثعابين وتنظيف المسار، وقد تتحقق خطوة البداية بالتخلص من أخطر نوعين معيقين للارتقاء وهما الشكوى ونقد الآخرين.كثيرا ما تكون الشكوى مرضا خفيا يسعى لإعطاء شرعية مبررة للتوقف والسلبية، وإذا كان القانون الفيزيائي الكوني ينص على أن «ما تركز عليه يتوسع» فعندما تشكو ما الذي تركز عليه؟ فبما أنك تركز على مشاكلك والسيئ في حياتك ستظل تتلقى المزيد منه، فالشيء يجذب شبيهه وعندما تشتكي تصبح مغناطيسا جاذبا للمشكلات، ستعيقك أفكارك السلبية عن الحركة وعندما تملؤك السلبية ستمنعك من صعود السلم نحو التطور.أما نقد الآخرين فهو أخطر الثعابين المسممة للنمو، لأنك عندما تقوم بالتحدث السلبي عن شخص آخر فأنت لا تقوم بتعريف موقفه حقيقة بل بتعريف مستواك الخلقي.. وفي كل مرة تتحدث فيها عن أي شخص فإنك تتحدث عن نفسك، وما ترسله يعود إليك، فإذا ذكرته بكلمات طيبة وتحدثت عن إيجابياته، عززت ثقتك الداخلية بنفسك. أولئك الذين يمارسون هواية التشريح لعيوب الآخرين والانتقاص من جهودهم والاستهزاء بتصرفاتهم، فإنهم في كل مرة يقومون فيها بذلك يعملون على سحب الطاقة النشطة من دواخلهم ويستبدلونها بغازات سامة تنفث الأمراض في أجسادهم وعقولهم، كما يسمحون لمن حولهم بتكوين فكرة سيئة عن شخصياتهم، وفي اللحظة التي نضبط فيها أنفسنا متلبسة بالتحدث بسلبية عن الآخرين، فلنتذكر فورا أن ذلك يعد دليلا ملموسا على الدرجة التي وصل إليها المؤشر في مستويات ارتقائنا الداخلي، ولا علاقة له بصحة رأينا في ذلك الشخص.يستغرق التدرب على ذلك وقتا وجهدا صادقا لمحو البرمجة السابقة المترسخة، واستبدالها بالقاعدة الذهبية في التواصل الإنساني «أحب للناس ما تحبه لنفسك، وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك به» وسنعتقد بعد فترة وجيزة أن العالم من حولنا قد تغير للأفضل، لكن الحقيقة أننا نحن الذين تغيرنا وتحولنا لإنسان أجمل هناك لوحة إرشادية تتكرر طول الطريق مكتوب عليها بخط واضح: لن تكمل الرحلة إلا باختيارك، لذا إذا تعبت من مواصلة السير فاسترح في أقرب محطة واستعد أنفاسك وجدد نواياك وتذكر أن أدومها أفضل وإن قل.