لمى الغلاييني

حل لغز العميان

قيل إن ستة هنود عميان وقعوا أثناء سيرهم على كائن غريب فقام رهان بينهم حول من يستطع التعرف عليه.قال الأول: هذا رمح، اعترض الثاني بأنه ثعبان، توقع الثالث أن هذا حبل، صمم الرابع أنه جذع شجرة، سخر منهم الخامس وأكد أنها تلة، وأصرالسادس على أنها قربة ماء من الجلد.احتدم الجدل بينهم، فكل يعتقد أنه على صواب وأنه الأحق بكسب الرهان، وحين أعيتهم الحيلة اقترح أحدهم الاحتكام إلى أحد الحكماء والقبول بحكمه.حين مثلوا بين يديه قال لهم الحكيم: كلكم على حق ولكنكم على خطأ. دهشوا لقوله واحتاروا في فهم عبارته وأسقط في أيديهم فتابع قائلا: دواؤكم في الواو.غادروه وقد ازدادوا ارتباكا، لكنهم اتبعوا نصيحته وتفكروا في لغز الواو، واهتدوا أخيرا لفكرة تجميع معطياتهم لينفجروا بعدها في ضحكة ساخرة من كل جدلهم:«يا لغبائنا، ذلك الكائن الغريب ليس سوى الفيل الهندي الذي لا نعرف في الدنيا شيئا أكثر منه». هكذا يتنازع الناس في أغلب أمورهم، فكل واحد ينظر للموضوع من زاويته الخاصة ثم يريد من الغير أن يرى مثل ما يراه هو.ويمكن تشبيه الأمر بالهرم ذي الأوجه المتعددة حيث لا يرى الناظر إليه إلا وجها واحدا، ويرى الآخر وجها مختلفا من وجوه الهرم لوجوده في موقع مختلف، وكل منه متعصب هو متعصب لما رآه مغرور به، ومنكر لرؤية الآخر المختلفة.اعتاد العديد أن ينظر للكون من خلال إطار فكري يحدد مجال نظره، ويستغرب أو يعاند أي شيء خارج عن ذلك الإطار، كالحصان الذي يجر العربة وقد وضع على عينيه قناعا ليتوجه ببصره إلى الأمام فقط فلا يرتبك في سيره.ولذلك يقال ان المقياس الذي نقيس به ثقافة شخص ما هو مبلغ ما يتحمل هذا الشخص من آراء غيره المخالفة لرأيه، فالمثقف الحقيقي لا يطمئن ويركن فقط لرأيه، بل هو مستعد ويملك المرونة لرؤية الجوانب الأخرى للهرم.إن الإطار الفكري الذي ينظر الإنسان من خلاله إلى الكون مؤلف جزؤه الأكبر من المصطلحات و المألوفات والمفترضات التي برمجته عليها بيئته والمغروزة في أعماق عقله الباطن وهو متأثر بها من حيث لا يشعر، وحين ينظر إلى ما حوله لا يدرك أن نظرته مقيدة ومحدودة بل كل يقينه أنه حر في تفكيره، وهنا يكمن الخطر فهو لا يكاد يرى أحدا يخالفه في رأيه حتى يثور عليه غاضبا ويتحفز للانقضاض، وعندما يعتدي بالتجريح على المخالف له بالرأي لا يعد ذلك ظلما إذ هو يعتقد أنه يجاهد في سبيل الحق و يكافح ضد باطل الآخر.ليس من العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم وتفضيلاتهم وأنماطهم، لكن العجب هو أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف من غير أن يقفوا لحظة ليتدبروا ما على أفكارهم من قيود وأن يرفضوا الاعتراف بالوجوه الأخرى للهرم.