د. فائز بن سعد الشهري

الشيخ المغامسي والتنمية المتوازنة

أجاب فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي خطيب مسجد قباء في المدينة المنورة عن السؤال الذي طرح عليه في مقابلة تلفزيونية له ببرنامج المختصر على قناة ام بي سي «لماذا وصف الشيخ صالح المغامسي بما عبرت عنه بثقافة التسابق ببناء المساجد بأنها خارج الإطار؟» فقال «هناك وزارة اسمها وزارة الشؤون الإسلامية وهي مسؤولة بصورة أولية عن بناء المساجد، وهناك ثروات كبيرة تنفق على بناء المساجد وهو أمر صالح، وهناك قصور واضح في كثير من أبواب الخير فلا يصح جعل أبواب الخير كلها في قضية بناء المساجد، وأنت ترى كلما سكن ذو ثراء حيا بنى فيلته وبنى أمامها مسجدا حتى اصبحت أعداد المساجد قريبة من أعداد الفيلل، أولا هذا يخالف مسألة أن يكون هناك مسجد جامع وهذا الذي استطاع ان يبني مسجدا من ماله الخاص لن يعدم نفوذا في أن يأتي بفتوى تأذن بإقامة الجمعة فيه، فإذا أقيمت الجمعة الآن في أحياء رقعة بسيطة من الأرض فيها عدة جمع، فإذا رجعت الى السنة وهي الحاكم كما قلت في أول اللقاء وجدت ان المدينة على اتساعها في عهد النبوة لم يكن فيها مسجد تقام فيه صلاة الجمعة الا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم... ليس المقصود ألا تبني مسجدا المقصود أن تنقذ معاقا، ان تنقذ مصابا، ان تبني دورا ومواطن فيها خير للناس، القضية ألا يوجه المال الى شيء واحد وانما العقل والزمان والحاجة تفرض عليك، أين الحاجة هذا هو الدين أين الحاجة..».«أين الحاجة هذا هو الدين» إنها كلمات رائعة، وحكمة بالغة، يجب أن يلتزم بها الجميع في كل مناحي الحياة. فما أشار إليه فضيلة الشيخ يمثل واحدا من الأسس التخطيطية الهامة التي يلزم التقيد بها، الا وهي «العقلانية والرشد» عند تحديد الاحتياجات وعند تخصيص الموارد لتلبية تلك الاحتياجات؛ وما يتطلبه ذلك من تحديد للأولويات. وعلى الرغم من أن علم الأولويات، أو فقه الأولويات، هو مبدأ فقهي أصيل، إلا أنه قاعدة تخطيطية أساسية أيضا. فالتخطيط في جوهره هو فن الاختيار بين البدائل، والذي يعتمد بدوره على فهم الأولويات في ضوء الاحتياجات والإمكانيات. وتتضح أهمية مبدأ «الأولويات» عندما نعلم أن التجارب عبر الزمن قد أثبتت أن مَنْ يتجاوز الأولويات كثيرا ما يفقد الموازين الدقيقة لما يأخذ ولما يدع ويعمد إلى التعميم، وإيقاف المعايير؛ وهو ما يمثل هدرا للموارد يتنافى مع الشرع والعلم.وما أشار إليه فضيلته يؤكد على أهمية استدامة الثروات من خلال الاستغلال الأمثل للموارد، ووفق الحاجة الفعلية للسكان وهذا مبدأ أساسي في مراحل التخطيط لتنمية عمرانية راشدة ومتوازنة وبصورة اقتصادية. وهنا تبرز أهمية الوقوف على الحاجة الفعلية للسكان من الخدمات بالمدن والقرى.كما أن ما أشار اليه فضيلته يؤكد على أهمية مبدأ تخطيطي هام مرتبط بفقه الأولويات، ألا وهو التدرج، فلا يُعقل توفير كل ما نحتاجه وزيادة مرة واحدة، لما يمثله ذلك من هدر للموارد فيما لا حاجة له حاليا؛ وإنما ينبغي توفير الخدمة قدر الحاجة. كما أن هناك تدرجا في مستويات الخدمة بما يضمن أن يؤدي كل مستوى منها وظيفته بكفاءة. فهناك المساجد المحلية، وهناك المساجد الجامعة، وكذلك هناك المساجد المخصصة لصلاة العيد؛ ولكل منها حجم ونطاق خدمة مختلف.ما أشار اليه فضيلة الشيخ فيه مبدأ للحفاظ على الاقتصاد الوطني، حيث ان وجود الخدمات بشكل متوازن لا يخلف معوقات تعيق استمرار عجلة التنمية. فوجود تزايد في عدد المرضى يقابله نقص في الخدمات الصحية وفق التدرج الوظيفي التخطيطي في اطار سياسات التخطيط الحضري والإقليمي على سبيل المثال، يساهم في إعاقة التنمية. وكذلك قضية المعايير التخطيطية للخدمات ومستوياتها ونطاق خدمتها من القضايا المهمة التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار في مراحل تخطيط وتنمية المدن والقرى فعلى سبيل المثال عند السماح بزيادة الارتفاعات في أحياء المدن دون الأخذ في الاعتبار العلاقة بين الزيادة في عدد السكان نتيجة ذلك والخدمات المقدمة القائمة ومنها التعليمية والدينية والصحية ومواقف السيارات وطاقتها الاستيعابية ونطاق خدمتها ومستواها التخطيطي فإن ذلك يؤدي إلى ضغط على الخدمات وعدم توازن يولد مشاكل بيئية واقتصادية واجتماعية.وبصفة عامة، فإن ما أشار اليه فضيلته يعتبر من الآليات الضرورية لتحقيق رؤية المملكة 2030 من أجل تنمية طموحة، متوازنة، ومستدامة لصالح الجيل الحالي والأجيال القادمة فجزى الله شيخنا الكريم كل الخير على هذا الفكر المستنير لمقاصد الشريعة في حياتنا المعاصرة، والذي يجب أن نلتزم به عند التخطيط للتنمية على جميع المستويات. وأخيرا وليس آخرا مع قرب شهر رمضان نسأل الله ان يبلغنا اياه ويعيننا على صيامه وقيامه. وان يرحم شهداءنا وينصر جنودنا البواسل.