لا تلوث حياتك بالأوزون
هل واجهتك صباحا مشكلة الثلج والنار تحت رشاش ماء غير منتظم؟ تقفز للدش الصباحي فتلسعك فورا سخونة الماء، تدير صنبور الماء البارد ولكن السخونة مستمرة، فتدير البارد أكثر فتبدأ حرارة الماء في الهبوط ولتصبح باردة للغاية، وبسرعة تدير الساخن مرة أخرى، لكن الماء المعتدل لا يصل الا بعد عدة لحظات.يخدعنا كثيرا حدوث التأخير بين السبب والنتيجة، فلا نستوعب التجربة كما يحدث في مواقف التغذية الراجعة المباشرة، فكلنا يحذر وبقوة أن يلمس النار ويعلم تماما عواقب فعله لذلك، لأننا عندما فعلنا ذلك صغارا شعرنا بألم التجربة فقمنا بسحب أيدينا فورا، ومن خلال ربط السبب بالنتيجة السريعة تعلمنا أن النار مصدر خطير علينا أن نحذره، ولكن لو تأخر الشعور بالألم أو تقرح الجلد بعد يومين أو أسبوع أو شهر، كم سيكون صعبا حينها أن نتعلم الابتعاد عن الأشياء الساخنة؟ هذا يفسر صعوبة تحديد الحساسية للطعام بدقة، لأنها لا تحدث في الغالب مباشرة بعد تناول الطعام المسبب للحساسية، ويبرر استمرارنا في استخدام بعض الأدوية لفترة طويلة قبل ملاحظة الآثار الجانبية والتي قد تظهر بعد شهور أو أعوام، فاستقبال التغذية الراجعة يشبه عمل الدائرة الكهربائية التي يستغرق دورانها وقتا تختلف مدته من تجربة لأخرى، وهذا معناه أن تظهر النتيجة في بعض التجارب بعد مرور وقت طويل من حدوث السبب.نستعجل أحيانا في تقييم نجاح بعض استراتيجياتنا، أو نستمر في استخدام إستراتيجية خاطئة لعدم ظهور الانعكاسات السلبية سريعا، والكثير من التجارب رسبنا في استيعاب جميع دروسها لوجود تأخير زمني بين السبب والنتيجة.ويزداد الحرج في الأنظمة بالغة التعقيد حين تتأخر النتيجة حتى تصل الأمور إلى النقطة التي تهدد التغيير.يشرح ذلك بوضوح مشكلة «ثقب الأوزون» التي تهدد العالم، وتأثير الكيمياويات الصناعية على البيئة، فالأبحاث العلمية عام 1974 أشارت إلى التأثير المدمر لمادة الكلوروفلوروكربون chlorofluorocarbons على الأوزون، ولم يتبين حينها وجود أي ثقب في طبقة الأوزون فوق أنتاركتيكا قبل حلول عام 1985، فقد استغرقت مادة الـ CFC خمسة عشر عاما للعبور من سطح الأرض إلى الفضاء لتمزق طبقة الأوزون التي تحمينا، حيث أجريت عام 1985 قياسات توضح تأثير الـ CFC الذي بدأ تدميره منذ عام 1970، وفي عام 1990 اجتمعت 29 دولة في لندن واتفقت على التخلص من كل منتجات الــ CFC بحلول عام 2000، لكن تنقية الجو من هذه المادة ستستغرق قرنا من الزمن.انها حكايتنا مع النجوم، فهي على مسافة بعيدة لأن الضوء يستغرق أعواما ليصل إلينا، أقرب نجم لنا وهو الشمس يحتاج ضوؤها تسع دقائق كي يصل لنا، وحين تنظر الليلة إلى النجوم فلن تراها كما هي الآن، بل كما كانت منذ سنوات عديدة، أي إننا ننظر للنجم في الماضي.استفد من حكاية الأوزون، فما نفعله الآن يشكل المستقبل وقد نعجز حين تبدأ النتائج في الظهور عن رؤية العلاقة بين ما فعلناه سابقا وما نحصده حاليا فنلوم الظروف السائدة، لكن السبب يكمن في أفعالنا الماضية.