د. سعود العماري

التواطؤ وأثرهُ على الإخلال بالمنافسة

يُعدُّ الاقتصادُ السعوديّ أحدَ أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، حيث تعملُ المملكة جاهدةً على تنويع الأنشطة الاقتصاديّة، وخلق بيئة مناخيّة تنافسيّة متنوّعة، وفي سبيل ذلك تقوم بسنِّ وإصدار وتطوير الأنظمة والإجراءات وإزالة العقبات، التي يمكن أن تَحُولَ دون بلوغ تلك الغاية. وتبعاً لذلك فقد أصدر المنظِّمُ السعوديُّ العديدَ من القوانين، ومن بينها نظامُ المنافسة الصادرُ بالمرسوم الملكيّ رقم (م/‏‏‏25) وتاريخ 4/‏‏‏5/‏‏‏1425هـ، والمعدَّل بالمرسوم الملكيّ رقم (م/‏‏‏24) وتاريخ 11/‏‏‏4/‏‏‏1435هـ، بهدف حماية وتشجيع المنافسة العادلةِ ومكافحةِ الممارسات الاحتكاريَّة التي تؤثِّر على المنافسة المشروعة، ولتحسين البيئة التنافسيّة في الأنشطة الاقتصاديّة بين المشروعات العاملة في الأسواق. ونتيجةً لظهور العديدِ من السلوكيَّات والممارسات الصادرة عن المنشآت والكيانات الاقتصاديَّة، ذات التأثير السلبي على مبدأ حريَّة المنافسة، فقد صدر هذا النظام من أجل الحدِّ منها ومكافحتها، ومن بينها التواطؤُ في المناقصات، إذ تُعدُّ هذه الصورة من القضايا البارزة التي تظهر أثناء طلبات العروض أو العقود الخاصَّة بالحكومات أو المؤسسات الكبرى. ويُعرَّفُ التواطؤ في المناقصات بأنَّه: «قيام المنشآت أو المؤسسات المتنافسة، بالاتفاق المسبق فيما بينها - عند تقدُّمها للاستجابة لطلبٍ أو عرضٍ أو مناقصةٍ- على تحديدِ من سيفوز منهم بالمناقصة المطروحة، وذلك بهدف جني كلٍّ منهم لأكبر قدرٍ ممكن من العوائد والأرباح». وخير مثال على التواطؤ في المناقصات؛ وجود اتفاقيّات بين عدد من المتنافسين فيما بينهم على امتناع منشأة أو أكثر عن تقديم عروض معيَّنة، أو قيامُ منشأة أو أكثر بسحب العروض بعد تقديمها، لكي تفوز المنشأةُ المتَّفَقُ عليها بالمناقصة المطروحة.وهناك أسباب عدَّة تؤدي إلى انتشار ظاهرة التواطؤ في المناقصات، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، إتاحة معلومات مقدمِّي العروض الآخرين «المتنافسين المحتملين» بعلنيَّة تامَّة، إذ إنَّ هذا الأمر من شأنه أن يساهم في تيسير عملية التواصل بين المتنافسين، وجعل التواطؤ فيما بينهم أكثرَ احتمالاً. ولهذا يلزم أن يتَّخذَ القائمون والمسؤولون عن المناقصات، الإجراءات اللازمة التي تُسهم في إحاطة كافَّة البيانات والمعلومات المتعلَّقة بهذه العروض بسياج منيع من السِّرِّيَّة والتكتُّم، واتخاذ أيَّة إجراءات يرونَها ملائمةً للحدِّ من إمكانيَّة التواصل بين هؤلاء المتنافسين. وكذلك تكرارُ المناقصات بشكلٍ دوريٍّ دونَ حدوثِ أيَّة تغييرات يمكن أنْ تطرأ عليها، حيثُ يساعد هذا التكرار على تحفيز التواطؤ بين مقدِّمي العروض وخصوصاً في الاتفاقيات طويلة الأمد. ولهذا ينبغي الاتجاه نحو الابتكار والتطوير بصورة مستمرة ودائمة في المناقصات، لإغلاق الأبواب والمنافذ في وجه أيَّة ممارسات للتواطؤ.كما أنَّ الإعداد الركيك للمناقصات وعدم صياغتها بالشكل الأمثل، بما في ذلك عدم تضمينها القيود والشروط الصارمة، التي تهدف إلى إقرار المساواة والعدالة بين المتنافسين، يمكن أن يكون عاملاً من عوامل التواطؤ في المناقصات.وهناك عدَّة صور للتواطؤ في المناقصات نذكر منها على سبيل المثال، التمويه، وبموجبه يتفق مسبقاً مُقدِّمو العروض فيما بينهم على صاحب العرض الفائز، وفي هذه الحالة يقوم أصحاب العروض التي اتفقت أنْ تخسرَ، بتقديمِ عروضٍ تتضمَّن شروطاً تعجيزيَّة أو عيوباً، تؤدِّي إلى استبعاد عروضهم. وبهذا يكون الغرَضُ من التمويه هو الاحتيالَ على القائمين على المناقصات وعلى المنافسين الآخرين بشكل يتوهَّمُ معه البعضُ وجودَ منافسةٍ حقيقةٍ، في الوقت الذي تمَّ فيه تحديدُ نتيجةٍ المنافسة مسبقاً.ومن بينِ صور التواطؤ الأخرى، الإحجامُ، وبموجبه يتَّفق مُقدِّمو العروض على سحب أنفسهم من المناقصة واستبعادهم قبل الوصول إلى المرحلة النهائيَّة، التي يتمُّ من خلالها اختيار العرض الفائز، مما يؤدِّي إلى قَبولِ العرض المقدَّم من قِبَلِ المرشَّحِ الذي تمَّ اختياره مسبقاً فيما بينهم.وهناك أيضاً التناوب، وهو صورةٌ من صور التواطؤ، وبموجبه يتمُّ الاتفاق بين المتنافسين المحتملين في مجال أو نشاط معين، على التناوب للفوز بالمناقصات التي يتمُّ طرحها بين آن وآخر.وقد جرَّم المنظِّمُ السعوديُّ التواطؤَ في المناقصات، حيث نصَّت المادة الرَّابعة من اللائحة التنفيذيَّة لنظام المنافسة على أنَّه: «تُحظرُ الممارسات أو الاتفاقيّات أو العقود المكتوبة أو الشفهيَّة، صريحةً أو ضمنيّةً بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، إذا كان الهدف منها أو الأثر المترتِّب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة أو الحدّ منها أو منعها، ومن ذلك ما يلي... 6/‏‏‏ التواطؤ في عروض المناقصات والمزايدات، ولا يُعتبرُ من قبيل التواطؤ تقديمُ عروضٍ مشتركة يُعلِنُ فيها أطرافُها عن ذلك منذ البداية، على ألَّا تكون الغاية منها الإخلالَ بالمنافسة بأيِّ شكلٍ من الأشكال.