التجمل يشوه الجمال
«أنا لا أكذب ولكني أتجمل» قصة قديمة مثلها أحمد زكي وآثار الحكيم كان فيها البطل يخفي حقيقة المستوى الاجتماعي الذي يعيشه، ويتجمل بمستوى آخر أمام زملائه في الجامعة، فيقضي يومه الجامعي بينهم مثلهم متأنقاً وحريصا على التعلم والتفوق والتميز بجديته وما تتطلبه من شكليات، وارتبط مع إحدى زميلاته بعلاقة حب حتى وصلا إلى خط النهاية الطبيعي وهو الزواج، ومن خلال أحداث ما تكتشف المحبوبة أن خطيبها يكذب، فهو ابن لأسرة فقيرة تعيش في المقابر حيث يعمل الأب حفاراً للقبور، وعندما واجهته بذلك قائلة «وأنا أعرف منين انك بتكذب؟» قال: «أنا لا أكذب إلا اذا اعتبرنا الروج اللي انت بتحطيه ومرواحك للكوافير كذب»، فهو يعتبر أن كل الأكاذيب التي يمررها أمام زملائه مجرد زينة فرضت عليه من أجل أن يتقبله المجتمع من حوله فهو يجمل وضعاً اجتماعياً لا ذنب له فيه! وبغض النظر عن تبريره لما فعل إلا أن الأمر في النهاية هو كذب. اليوم ونحن نتابع استشراء استخدام المكياج بين الفتيات والسيدات، وأقول استشراءً؛ لأن الأمر تجاوز الحدود الطبيعية التي نعرفها عن المكياج الذي يجمل فعلاً ويبقي على الأصل، فالمكياج اليوم صار يغير الشكل نهائيا. رسمة العين واتساعها أو صغرها، والفك العريض والنحيف، والأنف الأفطس والطويل كلها صارت تجد حلولاً عند رسامات الوجوه ولكن النتيجة في النهاية مروعة أحيانا، ومعقولة أحيانا أخرى لولا أنها تجعل من وضعت المكياج لا تشبه نفسها أبداً!! وأقول استشراءً؛ لأن معظم من يضعن هذا المكياج لم يعدن قادرات على تقبل أنفسهن بدونه وكأن إحداهن لا تعرف نفسها بدونه، ولا ترتاح لصورتها في المرآة إلا به، وبالتالي ستجدها تشرب القهوة صباحا بالمكياج نفسه الذي تحضر فيه حفلا مسائيا!! حتى الرموش صارت جزءا من هذا المكياج اليومي!! إن وصول من يتجملن بهذه الطريقة المبالغ فيها إلى هذه المرحلة يجعلها تتحول إلى كذبة تمشي على قدمين ليس أمام الآخرين فقط، وإنما أمام نفسها أيضا وهذا هو الأسوأ. اليوم لم يعد هناك فرق في هذا الهوس بين امرأة في العشرينات وأخرى في الخمسينات فالحمى تنتقل بينهن بطريقة مروعة والسبب الأول في هذا ليس بحثا عن الجمال بل سعيا وراء إخفاء بعض العيوب البسيطة بطريقة مبالغ فيها فيصبح المكياج كذبة كبرى فعلاً ومن ثم سعياً وراء تقليد أعمى لتلك العارضة أو الممثلة أو فتاة الإعلان، والدليل على هذا أن بعضهن يكن جميلات أكثر بدون مكياج، ومع هذا أدمن عليه بطريقة شوهتهن، لم تشوه الشكل الخارجي بل شوهتها من الداخل، فدرجة تقديرها لذاتها مرتبطة بخط «الكونتور» وسحبة «الآي لاينر» وطريقة التظليل بأربعة ألوان فوق جفونها!! ومرتبطة أيضا بمدى قربها في الشكل من فلانة أو علانة التي تضع المكياج المبالغ فيه لتقف أمام عدسات المصورين لتصور إعلانا ما أو الأخرى التي تعلن عن ماركة لمكياج ما وذلك بمقابل مادي لأنه عمل تؤديه ولكن أنت ماذا تفعلين بنفسك؟ وإلى أين وصلت؟ بل إلى أين وصلت الصغيرات ما بين ١٣-١٩ فقد أصبحن يتبارين في تعلم رسم الوجوه بالمكياج فحتى من لا يسمح لها بوضع المكياج لصغر سنها ستجدها قادرة على تزيين الأخريات به لأن التدرب متاح عبر كثير من الفيديوهات وكثيرات هن اللاتي أهدرن أوقاتهن في تعلم هذا الفن الكاذب وصار هناك مسابقات خاصة لفن التزيين الكاذب وصارت برامج التواصل مليئة بالإعلانات عن العاملات به وعن قدراتهن في تحويل المرأة من شكل لآخر، ويفاخرن بوضع صور النساء قبل المكياج وبعده وهي صور صادمة بالفعل لأنها تشعرك أن الأمر تعدى حدود الفرشة واللون إلى الأزميل والمطرقة!! إن أرقام المبالغ التي تصرف سنوياً على المكياج في الخليج العربي مروعة بالفعل ونحتاج معها وبعد هذا كله إلى من يعيد الوعي للمهووسات بالتجمل الكاذب، فما يكسبنه من كلمات الإعجاب والغزل لا تساوي شيئا أمام إحساسهن بالدونية والنقص بدون مكياج في لحظة صدق يقفن فيها أمام المرآة قبل وضع المكياج.