بدر الإبراهيم

سيلفي للطائفية

يطل نجم الكوميديا السعودية الأبرز، ناصر القصبي، في كل رمضان، ليثير النقاش والجدل بين التيارات الفكرية، والفئات الاجتماعية المختلفة، فيما تتناوله أعماله من قضايا، من المسلسل الشهير «طاش ما طاش»، العلامة البارزة في ذاكرة السعوديين، إلى مسلسل «سيلفي». هذه السنة يعود ناصر القصبي بالجزء الثاني من «سيلفي»، ليتناول مجدداً الطائفية، من خلال حلقة طبعتها الكوميديا السوداء، تشير إلى الأزمة الاجتماعية الناتجة من التعصب المذهبي، وما يولِّده من خطاب كراهية، ضمن معالجة ساخرة. الحلقة قوبلت بإيجابية عالية في الغالب من المشاهدين، وأثارت كما في حلقة الموسم الماضي، نقاشاً بين النخب والمهتمين حول كيفية تناول الطائفية في عمل تلفزيوني كوميدي، والفائدة المرجوة منه.لابد من الإشادة بالجرأة التي يتمتع بها ناصر القصبي، إذ إن الطائفية موضوع شائك، يفضل الإعلام التقليدي، وصناع المسلسلات التلفزيونية في الخليج، الابتعاد عنه وتجنب الإشارة إليه، بل إن الإعلام يحبذ التعامل مع المشكلة بتجاهلها، وعدم الاعتراف بوجودها، وكأنه لا توجد أزمة اجتماعية متجذرة، تعلو موجتها مع تصاعد الصراعات الإقليمية. لأن ناصر القصبي وفريق عمله يمتلكون رؤيةً وموقفاً، فقد قرروا إعطاء هذا الموضوع الحساس مساحة مهمة، ويمكن القول إنهم كسروا «التابو» وتجرؤوا على تناول التعصب المذهبي وإفرازاته رغم كل الحسابات والحساسيات، وقد كان بإمكانهم سلوك مسلك الآخرين بتجاهل الأمر، لكنهم آثروا المواجهة.تناولت الحلقة الطائفية من زاوية التعصب المذهبي، وما يجره من كراهية وأحقاد. البعض يعتبر أن طرحاً كهذا لا يفي ظاهرةً كالطائفية حقها في التحليل، ولا يشير إلى جذورها المتعلقة بصراعات الهوية وتغييب مفهوم المواطنة والهوية الوطنية الجامعة، لكن هذا يُحمِّل العمل ما لا يحتمل، فالمسلسل ليس ورقة علمية ليقدم تفسيراً وتحليلاً شاملاً للطائفية من كل الأوجه، ولا هو خارطة طريق للخروج من الأزمة الطائفية، وإنما هو عمل كوميدي اجتماعي، يكفيه أن يقوم بنقد ترجمة الطائفية في مجتمعنا، على هيئة خطاب كراهية وتأكيدٍ على العداء للآخر، أو الانعزال ورفض مد الجسور معه. ما يميز «سيلفي» هو الصورة التي يلتقطها للشكل الذي يتخذه الانقسام الطائفي، وسخريته من هذا الانقسام والأدوات الفكرية المُستَخدَمَة في تغذيته، ونزعه القداسة عن المتعصب دينياً ومذهبياً، ومحاصرة حالة التشنج الطائفي بالضحك عليها.بعض الطائفيين لا يعجبه أي عمل لا ينسجم مع طائفيته، فمعالجة الطائفية في نظره تقتضي إدانة الآخر فقط، لكن آخرين، قد يصفقون لعملٍ مثل «سيلفي»، يدعو لنبذ الطائفية، ثم يعودون لممارسة دورهم في تسعير نار الطائفية في الشبكات الاجتماعية، وهؤلاء ربما يحتاجون إلى حلقة ساخرة منفصلة.