د. محمد حامد الغامدي

عمالقة التغيير والتأثير الإيجابي

ثلاثة أساتذة أسسوا قناة تقدمي العلمي. ساهموا في نجاح بناء خبرتي. قناة شيدوها بقليل الكلام. وخبرة بنوها بما زرعوا من قيم ومبادئ وأخلاق. جمعتهم المسئولية. كأنهم نسخة واحدة. كانوا يحملون رسالة. كانوا مبشرين ومنذرين. مازالوا وسيظلون. لم يكونوا أنبياء. كانوا مصلحين بمكارم الأخلاق. عززوا قيمي الحياتية. التزام وحزم وإنسانية بكل الصدق والأمانة. كانوا رسل مبادئ وقيم تشبعوا بها عبر حياتهم. كانوا طلابا مثلي. من زرع فيهم القيم والمبادئ والأخلاق التي يحملون؟! ثلاثة أساتذة أبحروا بشخصي عبر طرق شاقة في هذه الحياة. أبحرت لوحدي دون رفقتهم في موكب المواجهة. استمر وجودهم يلازمني من خلال ما بذروه من خير. أحملهم في نفسي أثناء حلّي وترحالي. أصبحوا كالمؤونة الغذائية لا غنى لشخصي عنهم. مازالوا كذلك حتى اليوم. ماتوا رحمهم الله. ظلّوا أحياء بفعلهم كما عرفتهم. كأنهم لم يموتوا.جمعتني بهم سنون قليلة. تفاعلت مع قيمهم. أستطيع القول اني تقمصت شخصياتهم. أصبحت في دائرة فلسفتهم. ذهبوا وبقيت أحدثكم عنهم. أدعو لهم وأفتخر. هؤلاء الثلاثة أصبحوا يشكلون محور طاقة قوية أحملها. بواسطتهم تحقق لي النجاح. تحققت جميع أهدافي العلمية. جعلوني أشعر بأني بناء عظيم يجب أن يستفاد منه. هكذا أحاول أن أخدم وأقدم شيئا مفيدا.أحد هؤلاء الثلاثة ألقى برسالته في أقل من ساعة ومضى في حال سبيله. أقل من ساعة شكلت نقطة تحول في تاريخ حياتي نحو الأفضل. في دقائق معدودة جعلني أعيد اكتشاف نفسي. حملني إلى الطريق الصحيح. حيث كنت ضائعا تائها أمام مفترق الطرق. لا أعرف هدفي في الحياة العلمية ومنها.هذا الأستاذ حدد لي معايير أي طريق يجب أن أسلك في دراستي العليا. تلك وقفة عظيمة من إنسان معطاء وعظيم أيضا. لم يبخل بوقته. لم يبخل بخبرته. لم يبخل بتوجيهاته. لم يبخل بتباشير خير نشرها أمامي. لم يبخل ببث انذاره من نتائج تجاهل توجيهاته. جاء في الوقت المناسب والمكان المناسب. أحمد الله أن قابلت هذا الأستاذ. أحمد الله على أن أرسله لي في أصعب الأوقات معاناة. لو أن هذا الأستاذ لم يحضر في ذلك الزمن لما تحقق لي نجاح الدراسات العليا. وكانت مقابلته بداية الانطلاقة الناجحة. وقد عجزت في محاولاتي الحصول على قبول لدرجة الماجستير. لجهلي باستحالة تحقيق ما طلبت من تخصص. وقد تم تأليف تخصص ليس له وجود. وكان قرار ابتعاثي على هذا التخصص الذي تم تفصيله من العدم. كان مثل بيت الشعر الحالم. وفيه نقول ما لا نفعل. استحالة الفعل كانت حقيقة.وجدت نفسي واقفا أمام رجل هدفه إجراء مقابلة معي تمهيدا لقبولي أو رفضي. وقد رفض طلبي كل الجامعات التي راسلت. أكثر من (60) جامعة خاطبتهم للحصول على قبول. كانوا يعتذرون لعدم وجود التخصص. أشار أحدهم بضرورة شد الرحال إلى تلك الجامعات ومقابلة أصحاب الأمر. وهذا ما كان. فكان أن ذهبت بنفسي لتقديم نفسي. كانت هذه أول جامعة أجرب حظي معها. كانت في ولاية (الينوي) الأمريكية.تقدمت بأوراقي. تابعت الخطوات. في نهاية المطاف كان لابد من اجتياز المقابلة. وجدت نفسي أمام رجل طويل نحيف متقدم في السن. شرح لي أنه متقاعد. لكن القسم استعان به للإشراف على بحث لتطوير مروحة يمكن لها دفع الهواء لمسافة (50) مترا، محملا برذاذ المبيدات، بشرط أن لا تتكسر أعواد المحاصيل القريبة من المروحة. هكذا قدم نفسه. وقال قد تكون أحد الطلاب الذين يشاركون معي في البحث. شرح أن منهم (3) يسعون للحصول على الماجستير. ومنهم (2) يسعون للحصول على الدكتوراة. قال: بنهاية العمل سيحصلون على درجاتهم العلمية، والقسم سيحصل على النتائج. وقال إن جميع الطلاب من أمريكا الجنوبية.بعد ذلك الشرح انتقل إلى عالمي العجيب والمتناقض. سأل عن كشف درجاتي، الذي على حد قوله، لم ير مثيله في حياته الأكاديمية. سأل ما هذا الكشف المتناقض. يحمل جميع أنواع التقديرات: امتياز، جيد جدا، جيد، مقبول، راسب. تأكد له من جوابي أنني أعيش حالة عمى. كان جوابي يدل على جهل بفهم واقعي الذي عشته طيلة سني الدراسة الجامعية. قلت له مثل بقية الطلاب. فقال سأشرح لك السبب الحقيقي. ويستمر الحديث بعنوان آخر.