لمى الغلاييني

وارفع الخفاق أخضر

كل تجربة نمر بها تترك لدينا إحساسا بالألم أو المتعة متفاوت الدرجات، حيث يسجل الدماغ عند الخروج من التجربة نوع الشعور الذي رافقها. فعندما تلسع يدك بسطح ساخن ستتألم، فيقوم الدماغ بتسجيل الخلاصة في كود خاص بالتجربة، وسيتشكل لديك اعتقاد بأن لمس السطح الساخن يسبب ألما؛ مما سيمنعك من تكرار التجربة في المستقبل، ولو لم يسجل دماغك ذلك لما بنيت ذلك الاعتقاد، ولتكررت لسعة يدك.تسمى تلك العلاقة بين الفكرة وشيفرتها الدماغية بالارتباط العصبي neuro-associations ، وتعني ارتباط أي فكرة بشعور خاص مصنف دماغيا، ولذلك عندما نقول إن فلانا من الناس مبرمج دماغيا، فإن ذلك التعبير يحمل دلالات عضوية تشريحية كيميائية وليس فقط تعبيرا مجازيا فكريا.لتأكيد تلك الفكرة علميا قام عالم الأعصاب Merzenich وفريقه العلمي عام ١٩٦٨ بتجربة على شمبانزي، حيث استطاع التوصل إلى منطقة في دماغ الشمبانزي تسيطر على إصبعه الوسطى، فقام بتدريب الشمبانزي على التقاط طعامه بالإصبع الوسطى دون بقية الأصابع، ويشجعه بمنحه المزيد من الطعام كلما استخدمها، ويمتنع كلما فشل.خرج الشمبانزي من التجربة باعتقاد رسخ في دماغه على ان استخدام إصبعه الوسطى يؤدي إلى حصوله على المزيد من الطعام، وحين فحص التغييرات دماغيا وجد ازديادا ضخما في حجم هذه المنطقة بمعدل ستمائة مرة لتكرار استثارتها. وحين توقف الدكتور عن مكافأة الشمبانزي على استخدام إصبعه، لم يتوقف سلوك الشمبانزي.ما تفسير ذلك؟إنها البرمجة الدماغية، فلم يعد الواقع هو الذي يتحكم بالسلوك، بل التغييرات الدماغية التي سببتها قناعة الشمبانزي بأن استخدام إصبعه الوسطى يدر عليه مزيدا من الطعام، سواء استمر ذلك الواقع المبرمج او غاب.ازداد فضول الدكتور نحو إمكانية فك تلك البرمجة، فسعى لمنع الشمبانزي من استخدام إصبعه باستبدال برمجة المتعة بإحداث الألم الذي يجعله يتبنى اعتقادا مغايرا، وقد نجح في ذلك بعد فك البرمجة القديمة وبناء برمجة مغايرة معاكسة الارتباط.في المدرسة كل صباح كنّا ننظر إلى العلم وننشد النشيد الوطني، ونهتف بحماسوارفعي الخَفّاقَ أخضَرْ يَحْمِلُ النُّورَ الـمُسَطَّروالآن فإن مجرد النظر إلى العلم خاصة في الغربة يخلف فينا مشاعر من نوع خاص، وما هو إلا قطعة قماش لا تملك اي سحر، إلا ارتباطها المثير في الدماغ بألوانها وتصميمها. يتقن الدماغ لعبة الاستثارة والاستجابة، حيث يتكون السلوك الإنساني من استجابات مبرمجة في اللاوعي ، ويود الكثيرون تغيير عادات مزعجة في حياتهم لكنهم يشعرون بصعوبة التحكم، وتبدأ الرحلة في البدء بتوسيع ادراكك واستيعاب ميكانيكية البرمجة الدماغية، والتمرس على توليد المثيرات المحفزة وفك البرمجة القديمة.