ناشطو التهويل ومسؤولية الاحتقان!
أعتقد أنه لو أُجريت دراسة جادة عن أكثر المجتمعات تهويلا للأمور لحصدنا قصب السبق فيها، عندنا مئات من «الناشطين» في ميدان التهويل باستطاعتهم تجييش أكثر فئات المجتمع خمولا في غضون نصف ساعة، لخلق قضية من لا قضية، إلى جانب أننا كشعب أو كمجتمع، وكما يبدو نمتلك أساسا جينات وراثية تجعلنا دائما نقف على خط الريبة والتشكك من كل شيء، دائما نشعر أن العالم كله يتربص بنا، يريد أن يلوث طهارتنا، أن يُصادر ملائكيتنا، أن يخرّب أخلاقنا، أن يُفسد صلاحنا، أما لماذا هذه المؤامرات التي لا تنتهي، فليس أيسر من تفسير هذه اللماذا؟.طبعا لأنه يغار منا؟، يحسدنا؟. خلاص فهمنا السبب، إذن لنعد مجددا إلى التهويل ودوره في ارتفاع مؤشر الاحتقان، فعلى الرغم من أننا تجرّعناه عشرات المرات، واكتشفنا كل مرة، وبعد أن نكون قد سلّمناه لحانا وشواربنا، أنه مجرد زوبعة في فنجان، أو أنه سراب بقيعة، وأننا صرفنا بسببه من أعصابنا الشيء الكثير على مسائل تافهة، ما كانت تستحق كل ذلك الصراخ والحشد اللجوج، لكننا مع هذا لم نتعلم من أخطائنا، ونصرّ كل مرة على أن نعود إلى ذات المربع الذي نجرجر فيه التهم تجاه بعضنا، وكأن كل الهدف هو أن نبقى رهن التصنيفات الفكرية، لنسهم في مسخ بعض الشخصيات الوطنية أمام العامة وممن يقعون ضحية الناشطين في هذا الاتجاه أو ذاك.لن أذكركم بافتتاح مدارس البنات، ودخول التليفزيون والدش والنت وجوال الكاميرا وغيرها من المستجدات، وما صاحبها من تهويل عارم، وجدل أصمّ الأسماع دون أن يترك في الذهن جملة مفيدة واحدة ضدها، لكن أريد فقط أن أتساءل عن دور مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي تأسس قبل أكثر من عشر سنوات، تحت شعار نشر ثقافة الحوار وجعلها معيارا للسلوك العام في المجتمع السعودي. ما الذي أنجزه هذا المركز فيما يتعلق بتجسير الهوّة بين التيارات الموجودة على الساحة؟ـ كلكم تعرفونهاـ وكلكم تعرفون أنهم يتربصون ببعضهم الدوائر، وكلكم تعرفون أن كل طرف يملك قاموسا ضخما من الشتائم المقذعة للطرف الآخر، وخابية كبرى من التهم الجاهزة؟، وهنا علينا أن نتساءل: ما الذي أنجزه المركز للتخفف من أحمال التهويل الزائدة؟، قبل أن نسأل عمّا حققه فيما يتصل بقبول الآخر المختلف محليا أو خارجيا. هذه أسئلة مشروعة، ويُفترض أن تُبنى استراتيجيات المركز على ضوئها، لأن الحوارات «النافقة»ـ وعفوا لهذا التعبير لأنها ماتت بالفعل دون أن تترك أي أثر لها في أذهان المهوّلِين- كل ما كانت تفعله أنها كانت تتوسم المجاملة أكثر من بحثها في تأسيس ثقافة حوار جادة، قادرة على ترويض الأسماع للإصغاء لأكثر الآراء حدة وتطرفا، ومن ثم مناقشتها فكريا. لقد حان الوقت لمواجهة داء التهويل والذي أصبح اليوم هو رأس حربة الحوار الغوغائي بالبدء أولا بإعادة ترتيب أوراق هذا المركز.