د. أمل الطعيمي

المعلن ومسؤوليته الاجتماعية

الإعلان، وما أدراك ما الإعلان ؟ هو كما نعرفه وسيلة لترويج منتج ما، وتهتم المؤسسات - أيا كان منتجها أو خدماتها - بالإعلان وطرقه المختلفة، بعضهم يتميز وأكثرهم يخفق في فكرة الإعلان وفي طريقة تنفيذه، ومؤخرا صارت الإعلانات (كثر الجراد) تصلنا في كل وقت وفي أي مكان سواء في الأجهزة وبرامجها أو بالاتصال المباشر أو غير المباشر، حتى ضاق الناس بها ذرعا وكرهوها رغم أن المبالغ التي يدفعها المعلن كبيرة جدا ! وبخاصة التلفزيونية والصحفية، وكلما كان الإعلان ينكد على المشاهدين استمتاعهم بفيلم ما أو مسلسل أو برنامج ما كان ثمنه يرتفع أكثر حتى يصل إلى مئات الألوف. ويعتقد المعلنون أن المشاهد سيضطر لمتابعة الإعلان أثناء فيلمه المفضل، وبالتالي يصطادونه ثواني معدودة للتأثير عليه وكسبه كمستهلك، ولكن الحقيقة أن هذه الثواني المعدودة يقضيها المشاهد في أحد أمرين، الأول: السخرية من الإعلان بسبب الحوار غير الموفق الذي يقدم فيه الإعلان، أو اللهجة التي ينطق بها وبخاصة حين تنطق اللهجة السعودية بطريقة مضحكة وربما لطريقة إخراجه ومناسبة بثه. وتنتهي هذه الحالة بعبارات مثل: (الله يحوم كبودكم) أو (فيه وحدة تنظف الحمام بالعباة؟) أو (ما لقوا أحد سعودي يتكلم/‏ يمثل) وغير ذلك من التعليقات.. والثاني: أنه يبتعد عن التلفزيون لقضاء حاجة ما في دورة المياه (أعزكم الله) أو في المطبخ حتى صارت عبارة (انتظر لين تجي الإعلانات) عبارة تتردد كثيرا عندما نطلب من أحد الأبناء تنفيذ أمر ما فيؤجله. وقد كتبت سابقا عن هذه الإعلانات التي تموت أمام المستهلك بمجرد ظهورها، ولكن المؤسف أن تلك المؤسسات التي أدمنت الإعلان لم تدرك - بعد - الأخطاء التي تقع فيها رغم أن رأي المستهلك واقتراحاته صارت تصلها بطرق عدة ليست مقصورة على المقالات، ومؤخرا أنشئ (هاشتاق) إسقاط قروض رجال الحد، يطالب فيه الناس البنوك بأن تسقط القروض عن جنود الوطن كتقدير لهم على جهدهم الذي لا يضاهيه جهد آخر، ولكننا لم نلاحظ وأحسب أننا لن نجد من ينفذ هذا المطلب مع أنه سيكون أقوى إعلان بنكهة وطنية واجتماعية، فعلى سبيل المثال: في الوقت الذي تصرف فيه مؤسسات الاتصالات والمشروبات الغازية ملايين الملايين على تفاهات إعلانية متعددة ومتنوعة الصيغ تمتنع عن التكفل بدفع قروض من يستحقون المساندة، ولم يبادر أي تاجر من تجار الرز والصابون والأجبان والألبان والعصيرات والفوط الصحية وأدوات التنظيف إلى كسب شرائح متعددة من المجتمع. لو أن أحدهم بادر إلى مثل هذا العمل النبيل سواء لجنودنا العظماء أو للمواطنين الذين تقل قروضهم عن مائة ألف أو عن سجناء الديون.. كل هذه مواقف مشرفة عليهم أن يستغلوها بنوايا إنسانية راقية كتفريج الكرب أو بنية تسويقية على طريقة (حج وقضيان حاجة) ولكن الأكيد أن نتيجتها ستلامس العقول والقلوب وتتذكر ذاك المعلن ومنتجه كثيرا وتتبنى التعامل معه احتراما لموقفه في الإعلان عن نفسه بطريقة أشرف وأذكى وأرقى مما هم يفعلون ومما يرضون تمريره لنا على أنه إعلان وهو لا يمت للإعلان بصلة حتى أن المرء يتساءل: من الذي يعمل في تلك المؤسسات الإعلانية، هل هم من خريجي التسويق والإعلان أم أنهم هواة وحفنة من الفهلوية الذين يظنون أنهم وحدهم الأذكياء؟!إن الحديث عن الإعلان بين الناس يملأ مجالسهم وبخاصة حين يتطرقون لهذا الهدر المادي الذي يذهب بطريقة سلبية مع أن السبل لصرف المبالغ نفسها في أوجه ايجابية موجودة ومستطاعة، والنتائج التسويقية ستكون أفضل بكثير من مجرد إعلان يستغبي الآخرين. والحقيقة أن صرف اموال المؤسسات والأفراد بطريقة متشابهة ومتكررة من الأمور التي تثير أسئلة كثيرة في أذهان الناس ومعهم كل الحق في ذلك حين يرون رجال الأعمال يسلمون عقولهم لمن يوجههم في هذا الشأن دون ذاك، ولهذا يسيرون جميعاً في اتجاه موحد حتى في طريقة اظهار الزكوات والصدقات والأعمال الخيرية بشكل عام، فالجميع يرى أنها متشابهة وأن تنوعت طرقها، ومن الواضح أن التأثير لنوعين من الناس الأول هو من الذين يعدون ملتزمين دينيا، فيكثر بناء المساجد والمشاركة في ديات القتلى وغيرها من المشاريع التي يكون المشير بالرأي هو أول المنتفعين والنوع الآخر هو المعلن التقليدي الذي يشرح فكرة المنتج، أو يستعين ببطل رياضي أو ممثل مشهور ليقنعنا بالمنتج، أو يبحث عن كلمات أغنية مصاحبة، وهكذا يستمر الحال على ماهو عليه.