استيعاب الشباب إنتاجيًا في التحول والتنمية
حركة التوظيف في مؤسسات القطاع العام عبر الخدمة المدنية لا تزال بطيئة وغير مواكبة للنمو والتطورات المتسارعة في حركة الاقتصاد الكلي، ورغم أنني من أنصار الانتاج والاستثمار - حسب موجهات التحول الوطني ورؤية السعودية التي تضعنا على أعتاب مستقبل جديد - إلا أن الهياكل الأساسية يجب أن يتم شغرها بموظفين من أبناء الوطن خاصة في المرافق الحيوية، كما هو الحال بالنسبة للجامعات ومؤسسات التعليم بمختلف أنواعه.في إحصاءات أخيرة للهيئة العامة للإحصاء تم إيضاح ترشح أكثر من 20 ألف مواطن ومواطنة للوظائف الحكومية في المملكة خلال عام 2015م، وأغلبية المرشحين كانوا ذكورا، حيث وصل عددهم إلى 12 ألف مرشح ما يمثل 60% من الإجمالي، بينما بلغ عدد الإناث لنحو 8.1 ألف مرشحة، وبحسب تقرير للهيئة تصدرت منطقة الرياض عددالمرشحين للوظائف الحكومية ﺑ4.4 ألف مرشح، وذلك منطقي باعتبارها منطقة العاصمة ومركز الثقل الاقتصادي والتجاري والاستثماري.التوازن في وظائف القطاع العام مهم، لكن ترشح 20 ألفا لوظائف خلال عام واحد في أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وأحد اقتصاديات مجموعة العشرين، لا يبدو رقما كبيرا يتفق مع تلك الحقائق الموضوعية، لذلك إما أن هناك خطأ في الإحصاءات وعدم دقتها، أو أنه لا أحد يرغب في الوظائف العامة وذلك لا يستقيم مع حقائق الواقع، ما يضعنا أمام متاهة حول طبيعة التوظيف ورغبة الشباب في العمل، لأننا بحاجة الى تلك الرغبة بدوافع متعددة، وطنية وذاتية واقتصادية وفردية، من أجل دفع برامج التحول والرؤية والصعود بالعملية الانتاجية الى المستويات الطموحة التي تنتهي بنا في العام 2030 وقد انتقلنا بواقعنا التنموي الى مراتب متقدمة من النمو والتطور.إن كانت هناك غرابة من تواضع رقم التوظيف، أرجو أن تذوب في التطلعات الى الدخول في منظومة انتاج استثماري لا تركز على الوظائف، إلا بالقدر الذي يدير عمليات الأجهزة والمؤسسات العامة، لأن الفترة المقبلة والمستقبل بحاجة الى استثمار واسع في الموارد البشرية والطبيعية واكتساب الخبرات وتأهيل القدرات وتطوير الإمكانيات، وهي حالة تحفز كل مواطن للمساهمة الإيجابية الفاعلة في العمل واتساع الأفق من أجل النهضة، لأننا بالفعل بحاجة الى تطوير الفكر الاقتصادي شعبيا ونخبويا بحيث نعمل وكأننا في ورشة عمل وطنية لمواكبة التحول الوطني، حتى لا يصبح مجرد شعارات نتفرج عليها وينفذها الأجانب، موظفين أو مستثمرين، فالأصل في التحول أن نبني وطننا بعقولنا وأيدينا، فقد مضى الزمن الذي نعتمد فيها جزئيا على غيرنا في أعمالنا، وهي فترة تاريخية تتطلب أن نعمل بكل طاقتنا لغاية أساسية وهي إعادة بناء الوطن واقتصاده وفقا لتطلعات قيادتنا وبما يتفق مع طموحاتنا التنموية.بصورة شخصية أسعد إذا وجدت الشباب يتجهون الى الاستثمار، لأنه ضمان لمستقبلهم ومستقبل بلدنا وفرصة مثالية ونموذجية لاستكشاف العالم من حولهم ومواكبته والانفتاح عليه، حتى نواصل مسيرتنا من حيث يقف الآخرون، أما أن يتوقف الشباب عند محطات انتظار الوظائف فذلك خمول وسلبية لا تليق بوطننا وتجعلنا نتخاذل تنمويا، لذلك من المهم إطلاق فكر اقتصادي جديد يستوعب الشباب انتاجيا وليس وظيفيا.