نجيب الزامل

نظرية الفوضى وأنتم وأنا

نظرية الفوضى في علم الفيزياء ليست مجرد نظرية. إنها حكمة عظيمة من تلك القوانين الفيزيائية الني يضعها الله بضمير الكون من الأزل للأبد، بعضها نفهمه، وبعضٌ نحاول فهمه، وكثير حتى الآن لا نفهمه.وإني إذ أحدثكم عن نظرية الفوضى لأنكم ستجدونها بعد قليل في كل شأن بحياتكم، وسنفهم معا أن كل قانون بقلب هذا الكون ظاهرا أو وراء ستار إنما يحدث بحياتنا اليومية، ويجب أن نفهم أن الكون وحدة واحدة، فما يجري على القوانين الكونية يجري علينا، وإن خرجنا عنه اختلت طرائق معاشنا وحياتنا.لنفهم نظرية الفوضى لابد أن نبسط الفهم لهذه النظرية المهمة، ولكن علينا أن نعتني بصلب المعنى وجوهره. فالحقيقة لا أعلم لماذا سمّى «إدوارد لورنز» الرياضي الأمريكي والفلكي الأمريكي بستينيات القرن العشرين هذه النظرية «فوضى»، فهي ليست فوضى بمعنى الفوضى، لأن لا فوضى فيها على الإطلاق، ولكنه تغيير في النمط فيما هو متوقع ثم تأتي الأمور بنتائج غير ما نتوقعها ليس لأن فوضى صارت، بل لأن تغييرا صار في الطريق وبالنتيجة تغيرت النتائج. الذي حاول أن يفهمه لنا «لورنز» أن أي تغيير صغير بكل شيء قد يحدث تغييرا هائلا فيما بعد غير متوقع، وهو من جاء بالمثل الشهير أن رفة جناح فراشة صغيرة في الأمازون، قد تحدث إعصارا مُهيلا بالكاريبي. لماذا؟ لأن الأمور في التنبؤ بالطقس بالذات وكان مصدر إيحاء هذه النظرية بالذات عند «لورنز» لما رسم نمطا رياضيا بحاسوبه توقعيا لحالة الطقس ثم جاء مغايرا تماما للتوقع البياني الرياضي، لأن شيئا ما حدث وقد يكون صغيرا تضاعف فغير النتائح المتوقعة أو عكسها تماما كتدخل تلك الفراشة الحبيبة في أدغال الأمازون. وسبحان خالق الكون كواكبنا الشمسية لها أقمار محسوبة الدوران بدقةٍ وتوقعٍ رياضيّين فلكيين، إلا كوكب نبتون له أكثر من دزينة من الأقمار لذا من الصعب التنبؤ بمداراتها لأن تغييرات تحصل من كل قمر. نظرية الفوضى ليست فوضى أبدا، فهي تغير عارض بالخطة العادية فتتغير «منطقيا» وليس «فوضويا»، وإن رصدنا كل تغيير فسنعرف نتيجته وتنتفي هنا الفوضى، ولكن «لورنز» سامحه الله أصر على تسمية الفوضى، فذاعت.كيف يحصل هذا في حياتنا؟ نبدأ بالأمم؛ لم تدخل أمة حربا إلا وقد وضعت خطة لبدء وإنهاء الحرب، ولكن تغيرات غير محسوبة تتداخل ميدانيا فتطيل الحرب وتعقدها، كانت أمريكا قد وضعت خططا تنهي حرب فيتنام وأفغانستان والعراق بمدة قصيرة حاسمة، والذي صار أنها طالت وصارت مأزقا حقيقيا اقتصاديا وبالأرواح وبسمعة أقوى أمة على وجه الأرض، وربما هذا ما نواجهه باليمن. ولما خرج المتظاهرون في الربيع العربي توقعوا أشياء ثم تعقدت الأمور لأن أشياء حدثت فغيرت النتائج المتوقعة. أنت تخرج لعملك مثلا وتدرك كل ما سيحدث خلال يومك، ثم يصير شيء عارض، كأن لا تعمل سيارتك أو يفوتك القطار أو الحافلة أو الطائرة فيتغير مجرى حياتك ذاك اليوم وتتنهي بنتائج غير متوقعة، فربما تلتقي بشخص أو تعيش ظرفا قد يغير عملك الذي عملت به سنينا. وفي الصداقة والعلاقات الزوجية لا تمر الحياة كما نحلم لأن أشياء صغيرة تحدث ثم تكبر.. لذا يجب أن نعلم أنها ليست فوضى ولكن أمرا ما حدث، فعلينا أن ندرسه ونستعد لنتائجه، ونغيره إن لم يعجبنا، ونبقية إن كان الأفضل لنا. أكتب هذا وأنا أتوقع أني كتبت شيئا صحيحا، وربما كلمة قلتها خرجت عن السياق وغيرت كل توقعي، فانتبهوا.. واعذروني.