خالد الشريدة

التطرف في عقول ضائعة

لم يبق شيء في حالات التطرف، التي تتسع رأسيا وأفقيا، لم تفعله في استباحة الحرمات وانتهاك المقدسات التي طالت حتى الشهر الفضيل وبيوت الله والعبادة والذكر، وذلك يبدو طبيعيا طالما بقيت تنظيمات إرهابية دون كبح أو قطع لدابرها، فهي تحشد خلايا نائمة ونشطة في كل مكان وكما كان قبل يومين في أسطنبول فأمس في جدة وهكذا تستمر العمليات الدموية التي تحصد الأبرياء في كل مكان.لا يمكن أن نتوقع توقف مثل هذه الأعمال طالما أن الظلاميين يعبثون بعقول الشباب، ولا توجد إرادة دولية كافية لمحاصرة الإرهاب في نطاق ضيق والتعامل معه بأفق أكثر استيعابا لحجم التهديدات المتعاظمة للمتطرفين والإرهابيين، وهنا ينبغي الفصل بين التطرف والإرهاب، ففي حالة الأول هناك مقدمات للثاني ويمكن أن يكون الشخص متطرفا في فكره ولفظه وقوله ومنقوله ولكن لا يسعى لأن يضر أمن المجتمع الذي يعيش فيه، فهو يجادل ويستمتع بالجدل، ولكن هناك من يتجهون الى التغيير العنيف والعدائي فيدخلون في نطاق الحالة الإرهابية بما يفعلونه من تربص وترصد وقتل وتدمير وترويع، ولكن في الإطار العام فلا تزال المسألة مرتبكة ومتداخلة بلا تعريف دقيق للمصطلحات وتكييفها فكريا وجنائيا وتشريعيا على الصعيد الدولي.. لماذا؟ربما أحد أهم الأسباب أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف بأي سلطات قانونية دولية يمكنها أن تحاسب جنودها على أخطائهم الإنسانية والحربية بحق الآخرين، وذلك يقود بدوره لتكسيح القوانين الدولية لأن أمريكا تعترض على ما لا يتفق مع سلوك جنودها، وثاني الأسباب أن الإرهاب بكل مقتضياته يرتبط بما تفعله إسرائيل بالمدنيين الفلسطينيين في الضفة وغزة وما تفعله إرهاب دولة مؤكد، وباستغلال النفوذ الدولي والدعم الأمريكي يتم تعطيل التشريعات الدولية التي يمكن أن تضع هذه الدولة في وضع إرهابي ما يسمح بالتالي بميلاد جيوش من الإرهابيين الذين ينبغي أن يخضعوا لإرادة دولية تمنع إضرارهم بالأمن والسلم الدولي.والحال هكذا فإن إرهاب المتطرفين في جميع الديانات، وليس الدين الإسلامي وحسب، ينشأ في خاتمة المطاف بعد التهيئة السلبية للعقل الديني، من خلال الفجوة التشريعية والجنائية الدولية وارتكاب المظالم حول العالم، وصحيح أن المتطرفين الإسلاميين أكثر عددا وعداء من جماعات مثل الكوكلس كلان واليمين المسيحي، إلا أن ذلك بسبب جرائم ارتكبها مسيحون ويهود في مجتمعات إسلامية أو مع أقليات، ويغوص ذلك في العقل لينشأ نفور من كل ما هو آخر، دينيا أو سياسيا أو ثقافيا أو حضاريا، ويمتد ذلك الى المجتمع الإسلامي حيث يوجد أفراد أو سلطة لا تتخذ موقفا متطرفا وعدائيا مع الآخر، فيضعها المتطرف في ذات السلة ويتكثف العداء لاستهداف المجتمع المحلي، أي أن إسقاطا عميقا يأتي من بعيد في العقل والنفس ليفجر ويدمر ويرهب العباد، كما في حالتي اسطنبول وجدة الأخيرتين ولن تكونا كذلك بل ستأتي ضربات أخرى في أكثر من موقع، لأن المعالجات لا تزال هشة وضعيفة وغير مستقيمة مع الواقع واستيعاب التطورات المتطرفة في عقول تائهة وضائعة.