فهد السلمان

التطرف وذهنية التقديس

ماذا بعد استهداف الحرم النبوي؟، ماذا بقي لهؤلاء أن يستهدفوه؟، ماذا بقي لنا بعد لننتظر، ونظل نحصي ضحايا ذوي القربى الأشد مضاضة؟.بجريمة المدينة المنورة سقط القناع أو لم يسقط عن تلك الوجوه الكالحة التي تقف خلف هذه الأعمال الإرهابية، هذا لم يعد يهم، لم يعد يهم أن تكون إيران وداعش خلف هذا الارتكاب المجنون، ما يهم فعلا هو أن من بيننا من اعتنق هذا الفكر الرخيص والأحمق، ومن هم في طور الجاهزية التامة بناء على منطلقاتهم الفكرية لأي مهمة قذرة، هذا الكلام قاله قبلي جمال خاشقجي في الحياة، وغيره في منابر أخرى، وأقوله أنا هنا، على اعتبار أنه أساس ما يجب أن ننطلق منه لمعالجة هذا الفكر المأزوم، الذي لم يستأجر قاتلا محترفا من إحدى مدن الجريمة المنظمة، وإنما اختطف أحد أبنائنا ليدفعه للتنكب لفطرته واختراق أمن أقدس البقاع، وجوار أفضل الرسل، وترويع الآمنين الصائمين.لا يمكن أن يتأتى هذا الوضع من مسلم مستقيم يُدرك أن ما يُطرح في إطار فقه الواقع ليس هو بالضرورة رأي الدين بقدر ما هو رأي الشيخ أي شيخ ممن يؤخذ من أقوالهم ويُرد، فالعصمة لا تكون إلا لنبي، غير أن ظاهرة ذهنية التقديس هي التي أيقظت شهوة الموت واستعجال المقابر، ومنعت قبلئذ كف شاب يعتقد أنه متدين من أن ترتجف وهي تحمل السكين ليغرسها في قلب أمه، وسأضرب مثالا على ذهنية التقديس لنتبين إلى أين نحن ذاهبون، وذلك من خلال باحث إسلامي معاصر، ما يعني أنه رجل علم يُفترض أنه واع ومثقف، هذا الباحث وفي سياق دفاعه المشروع عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وردا على من انتقد فكر الشيخ عندما زعم أنه أحصى جملة (يستتاب وإلا قُتل) في كتب الشيخ فوجدها قد تكررت (428) مرة، ليبني اتهامه له بأنه أبو حركات العنف السنية المعاصرة.أخونا الباحث عوضا عن أن ينافح عن الشيخ بطريقة موضوعية، وضع كتبه في مقابلة القرآن الكريم، وقال بالحرف: «إن كلمة (قُتل يُقتل) وردت في القرآن الكريم 77 مرة، عدا مشتقاتها، ولو أجرينا نسبة وتناسبا لكانت نسبتها في القرآن وهو «604» صفحات أكثر بكثير من نسبتها في كتب الشيخ والتي تناطح 100 مجلد بآلاف الصفحات»، فبدا- وإن لم يُرد- وكأنه يقول: إن ابن تيمية أكثر رحمة من الرحمن لأنه أقل استعمالا لمصطلح القتل في مؤلفاته عز الله سبحانه وعلا وتقدس عن هذا الباطل، إذ لا يُمكن أن يكون هنالك أي تخريج لوضع القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، في مقابلة مع كتب البشر، تعالى الله عما يصفون، سوى أنه عمى التقديس.هذا باحث إسلامي متعلم لا أشك أبدا في صدق طويته تأملوا إلى أي حد بلغت عنده ذهنية التقديس بحيث نسي حرمة كلام الله في مقارنته مع كلام الخلق، فكيف إذن هو الحال مع تلك العقول الصغيرة التي تعبد أصنام داعش هنا وهناك وتتعبد الله بها؟.* مُحلل سياسي