لا وقت للغد «1-2»
التحولات الجسدية والروحية والوجدانية هي التي أشعلت في وجدان الشعراء الثلاثة الذين حمل أنينهم المقال السابق ما أشعلت.. وقد اكتفى المقال بوصف تجربتهم بالغربة الوجودية الحتمية لكل حي، شعر بظلام هذه الغربة يتكور في عينيه وقلبه.لكن قراءة سريعة لقصيدة «لاعب النرد» لدرويش تنسينا كل ما قاله الشعراء المبدعون الثلاثة وحتى ما قاله هو في نفس التجربة «- أتعرفني؟ بكى الولد الذي ضيعته/ لم نفترق لكننا لن نلتقي ابدا» وتضعنا في متيه يرادف العبث نرى منه وفيه الحياة كلها حفنة من زجاج:«نجوت مصادفة كنت أصغر من هدف عسكريوأكبر من نحلة تتنقل بين زهور السياجوخفت كثيرا على إخوتي وأبيوخفت على زمن من زجاج»هذا الزمن الزجاجي الذي لا يعرف المرء متى سيتحطم هو نفسه مصادفة من المصادفات التي يتقلب في رمضائها السرمدية جميع البشر وهو الذي يجعل الخوف ظلا بثقل اللعنة يطوق الحياة:«ومشى الخوف بي ومشيت بهحافيا ناسيا ذكرياتي الصغيرة عما أريدمن الغد – لا وقت للغد -..»هل تريد مني التوقف عند هذا «اللغم» الذي يسمونه لغة = «لا وقت للغد؟» لا لأني لا أستطيع.وحتى الوطن الذي كان درويش يعانيه كما يعاني قلبه الذي يقول فيه «كان قلبي زاهدا/ أو زائدا عني/ كحرف الكاف في التشبيه؟» هذا الوطن برغم مصادفته القدرية أصبح غربة مضاعفة أو خبرا لكان:«شمألت شرقت غربتأما الجنوب فكان قصيا عليلأن الجنوب بلادي..»أما الحب الذي هو المعنى الأجمل للحياة فيصبح محض طيف يمر بسرعة البرق أو بسرعة الصدفة:«يقول المحب المجرب في سرههو الحب كذبتنا الصادقةفتسمعه العاشقةفتقول: هو الحب يأتي ويذهبكالبرق والصاعقة..»أهكذا هو الإنسان: ريشة في عاصفة ليس له أي دور في أي شيء «ليس أي دور بما كنت/ أو سأكون» إنها الحياة التي يقودها السراب:«السراب كتاب المسافر في البيدلولاه لولا السراب لما واصل السيربحثا عن الماء.. هذا سحاب يقولويحمل إبريق آماله بيد..وبأخرى يشد على خصرهويدق خطاه على الرمل «...»ويكتب سطرا على الرمل:لولا السراب لما كنت حيا إلى الآن»..