الوقاية خير من العلاج.. من أجل أسرة مسلمة قوية
يشهد عالم اليوم العديد من التغيرات والتحولات التي باتت تحتاج إلى تعميق الرؤية وطرح الأفكار والبحث عن الحلول المناسبة والاجراءات الملائمة للتعامل مع تلك التغيرات والتحولات بقدر من الدقة والحرص من أجل فرض الاجراءات الوقائية أكثر من الاجراءات العلاجية أوالتنموية، فبات التطور أمرا حتميا والتغير لا مناص منه، وإذا ألقينا الضوء على علم الصحة ومدى التطور في الأساليب العلاجية الطبية وايضا التطور التكنولوجي في المعدات التي تستخدم في العمليات الجراحية نجد أنها أصبحت تمثل علامات ابهار للعامة من غير المتخصصين وفي بعض الأحيان للمتخصصين أيضا، إلا انه رغم كل هذا التقدم الملحوظ بشدة نجد أن علم الطب الوقائي يحتل الصدارة في قائمة العلوم الطبية. وهناك الكثير من علماء الطب والمتخصصين في العلوم الوراثية والأمراض المعدية يشددون على أهمية اتخاذ الإجراءات الوقائية باعتبارها درعا للحماية والوقاية من انتشار الكثير من الأمراض الوراثية أو المعدية، وعندما بحثت في الموضوع وجدت ان هذا الأمر يعد من الاجراءات الوقائية للصحة الانجابية والأسرية والمجتمعية، فالهدف لا يتعلق بالرعاية الصحية للفرد فقط، بل من أجل تحقيق مستويات ومؤشرات صحية ايجابية للمجتمع ككل، ويمكن أن يسهم هذا الاجراء في الحد من انتقال الأمراض الوراثية والمحافظة على صحة الاجيال القادمة من الأطفال حديثي الولادة خاصة الحد من انتشار وتزايد الأطفال المعاقين جسميا أو عقليا، وذلك لما اثبته العديد من الدراسات الطبية حول انتشار انجاب أطفال ذوي الاعاقة في حالة زواج الأقارب، وقد يرى البعض أن هذا الأمر مخالف لعقيدتنا الدينية وعاداتنا، الا ان هذا الظن غير صحيح فقد وصانا نبينا الكريم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بأهمية اختيار شريك العمر وذلك في الحديث الشريف «تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الأكفاء فان العرق دساس».ما أجمل هذا الحديث الذي سبق الفكر الطبي الوقائي بآلاف السنين، لقد اوصى الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أمة الاسلام باتخاذ الاجراءات الوقائية قبل الزواج عندما أكد على التدقيق في الاختيار وبذلك وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- اللبنات الاولى لعلم الوراثة والوقاية من الانزلاق إلى الزواج من «غير الكفء»، وهنا نجد ان فكرة الكفء هى التي تقترب من الصورة المثالية دينا واخلاقا وجسما ونفسا وعقلا، وذلك من أجل اختيار زواجي موفق وامكانية انجاب أجيال أصحاء وأقوياء، وهنا تتضح أهمية الفحص الطبي قبل الزواج وتقديم الاستشارة الوراثية اللازمة للزوجين، حيث تكمن فائدة الفحص قبل الزواج في تقديم النصح للمقبلين على الزواج إذا ما تبين وجود ما يستدعي ذلك بعد استقصاء التاريخ المرضي والفحص السريري واختلاف الشريط الوراثي، وخاصة ان عقد الزواج عقد عظيم يبنى على أساس الدوام والاستمرار، فإذا تبين بعد الزواج أن أحد الزوجين مصاب بمرض فإن هذا قد يكون سبباً في إنهاء الحياة الزوجية لعدم قبول الطرف الآخر به، ومن خلال الفحص الطبي يتأكد كل واحد من الخاطبين من مقدرة الطرف الآخر على الإنجاب وعدم وجود العقم، ويتبين مدى مقدرة الزوج على المعاشرة الزوجية، بالاضافة إلى أن ذلك الاجراء يسهم في الحد من انتشار الأمراض المعدية والتقليل من ولادة أطفال مشوهين أو معاقين والذين يسببون متاعب لأسرهم ومجتمعاتهم، قد يرى البعض ان هذا الاجراء فيه شىء من المغالاة والاعتقاد بالاعتراض على قدرة الله سبحانه وتعالى، ان الأمر في الحقيقة غير ذلك، فقد جاء قول الله تعالى في كتابه الكريم (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ووجه الدلالة هنا أن بعض الأمراض المعدية تنتقل بالزواج فإذا كان الفحص سيكون سبباً في الوقاية تعين ذلك فما الضرر. ان المحافظة على النسل والأجيال القادمة مسئولية المجتمع ككل وان العلم يسخر لخدمة البشرية ووقايتها، ويجب ان ننشر الوعي ونشجع أبناءنا المقبلين على الزواج بأهمية اجراء الفحص وفقا لمقياس الاستعداد الأسرى لبناء أسرة مسلمة قوية.