الاقتصاد السعودي بمؤشرات صندوق النقد الدولي
نشر صندوق النقد الدولي قبل عدة أيام تقريره حول تقييم الاقتصاد السعودي بموجب المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي، التي تنص على إجراء مناقشات ثنائية مع البلدان الأعضاء، والتي تتم في العادة على أساس سنوي. ويقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة البلد العضو، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسئولين الرسميين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في هذا البلد. وبعد العودة إلى مقر الصندوق، يُعِد الخبراء تقريرا يشكل أساسا لمناقشات المجلس التنفيذي في هذا الخصوص. وفي ختام المناقشات، يقوم مدير عام الصندوق، بصفته رئيس المجلس التنفيذي، بتقديم ملخص لآراء المديرين التنفيذيين ثم يُرسَل هذا الملخص إلى السلطات في البلد العضو. لكن يتوجب أن نلاحظ في البداية ان هذه التقييمات التي نشرها الصندوق تستند على المؤشرات التي كانت سائدة قبل عدة أشهر أي قبل التحسن الحالي في أسعار النفط بالمقارنة مع ما كان عليه مطلع العام. لذلك، فان معظم التقديرات الواردة في هذا التقرير لن تكون دقيقة، لكن ما يهم بصورة أكبر هو التعليقات والتوصيات التي يتضمنها التقرير، وهي ذات أهمية كونها تأخذ أبعادا لا ترتبط بالوضع القصير المدى للاقتصاد السعودي وإنما المتوسط والبعيد المدى. ويتوقع الصندوق أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 1.2% في عام 2016 ليبلغ 646 مليار دولار أمريكي، على أن يتعافى مسجلاً 2% في عام 2017 مع تخفيف وتيرة الضبط الجاري لأوضاع المالية العامة، ثم يستقر عند حوالي 2.25-2.5% على المدى المتوسط. وسوف تبلغ الصادرات 184 مليار دولار منها 133 مليار دولار صادرات نفطية في حين تبلغ الواردات 149 مليار دولار عام 2016. كما يبلغ صافي الأصول الأجنبية 543 مليار دولار عام 2016.كذلك من المتوقع أن ينخفض عجز المالية العامة إلى 13% من إجمالي الناتج المحلي في 2016، كما يُتوقع أن ترتفع الإيرادات غير النفطية، بينما يؤدي كبح الإنفاق، ولا سيما الرأسمالي، إلى خفض كبير في المصروفات، مع تمويل عجز المالية العامة من خلال الجمع بين السحب من الودائع والاقتراض المحلي والدولي. كما يتوقع أن ينخفض عجز الحساب الجاري إلى 6.4% من إجمالي الناتج المحلي في 2016 ثم يقترب من التوازن بحلول عام 2021 مع تعافي أسعار النفط جزئيا. وكما ذكرنا، فإن المهم التعرف على التوصيات الواردة في التقرير الذي يؤكد أن المملكة بدأت تحولا جوهريا في سياساتها لمواجهة انخفاض أسعار النفط. فأجرت الحكومة سلسلة من الإصلاحات على مدار العام الماضي وشرعت مؤخرا في خطط جريئة وطموحة لتحويل الاقتصاد السعودي من خلال رؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني. وتتمثل أهم أولويات السياسة في تنويع الاقتصاد، وخلق فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص، وتنفيذ عملية تدريجية ولكنها كبيرة ومستمرة لضبط أوضاع المالية العامة بما يحقق موازنة متوازنة في غضون خمس سنوات.ووفقا للتقرير، يواجه اقتصاد المملكة تحديات مهمة بسبب هبوط أسعار النفط، لكن المملكة تحركت في الوقت المناسب لمواجهة هذه التطورات، وهو ما حافظ على نمو واستقرار الاقتصاد الكلي، بدعم من الهوامش الوقائية الكبيرة في المالية العامة والنظام المالي القوي والمرن. ومع ذلك، فقد تحولت أرصدة المالية العامة والحساب الجاري إلى العجز وبدأ معدل النمو يتباطأ. لذلك، تبرز الحاجة إلى استمرار التصحيح والإصلاح في المالية العامة؛ لإكساب الاقتصاد السعودي مزيدا من القوة وتحقيق التحول المنشود فيه. وفي هذا الصدد، أثنى المديرون على ما وضعته السلطات من خطط جريئة للإصلاح.كما أعلنت المملكة عن أهداف طموحة للإصلاح في رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني، لكن هناك حاجة للمزيد من الوضوح في تحديد أولويات الإصلاحات المخططة وتسلسل خطواتها؛ لتقليل المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها التنفيذ وإتاحة الوقت الكافي للاقتصاد حتى يتكيف معها. كما تبرز أهمية تعظيم دور القطاع الخاص في الاقتصاد بالتركيز على الخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين بيئة الأعمال، وتطوير أسواق رأس المال المحلية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما ينبغي مواصلة الإصلاحات في سوق العمل والنظام التعليمي؛ لتشجيع القطاع الخاص على توظيف المواطنين السعوديين وزيادة مشاركة السعوديات في القوى العاملة.وفي ضوء تحديات ما ينجم عن تراجع الإيرادات النفطية من آثار سلبية على المديين القصير والمتوسط، تبرز الحاجة كذلك لضبط أوضاع المالية العامة في إطار عملية تدريجية ولكنها كبيرة ومستمرة، والعمل على وضع خطة موثوقة متوسطة الأجل لتحقيق هذا الهدف. كذلك مواصلة إجراء إصلاحات في النفقات والإيرادات، بما في ذلك استمرار التعديل التدريجي لأسعار الطاقة مع تعويض الأسر محدودة الدخل، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية على السلع، واحتواء فاتورة الأجور الحكومية، وتحسين إدارة الاستثمار العام، ورفع كفاءة الإنفاق. وعلى الصعيد المالي كذلك، يدعو الصندوق لوضع إطار متوسط الأجل للمالية العامة وتعزيز عملية الموازنة السنوية، مع إدراج صندوق الاستثمارات العامة وشركة أرامكو في الموازنة بصورة أفضل. كما ان إصدار سندات دين حكومية من شأنه أن يساعد على إنشاء منحنى للعائد خال من المخاطر ودعم إقامة أسواق للدين المحلي.والقطاع المصرفي السعودي في وضع جيد يمكنه من تجاوز انخفاض أسعار النفط وتباطؤ النمو، لكن الصندوق يدعو الجهات الرقابية للاستمرار في مراقبة جودة الائتمان عن كثب، وتعزيز الإطار الاحترازي الكلي، والانتهاء من وضع الإطار المطلوب لتسوية الأوضاع المصرفية وتوفير السيولة. وأخيرا، يرى الصندوق أن نظام ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي هو الخيار الأفضل للمملكة نظرا لهيكل اقتصادها الحالي، مؤكدا على الحاجة إلى عملية تصحيح مستمرة لأوضاع المالية العامة بما يدعم هذا النظام. ومن المفيد إجراء مراجعة دورية لنظام سعر الصرف المربوط بالدولار لضمان استمرارية ملاءمته في ضوء التطور المنشود في الاقتصاد بعيدا عن اعتماده الحالي على النفط. ![image 0](http://m.salyaum.com/media/upload/5c7120b899eb99f12ed8209619d4b6fd_06.jpg)صندوق النقد توقع بلوغ صادرات المملكة 184 مليار دولار