لمى الغلاييني

انفعالاتنا بين المد والجزر

يتباين الأشخاص فيما بينهم فيما يقدمونه من ردود أفعال على نفس الموقف، ويعني ذلك أن الاستجابة الخارجية لنفس المثير لا تتوقف على حجم المثير، وأن الموقف المسبب للغيظ لأحدهم يمكن أن تكون له ردة فعل خارجية مختلفة لدى الآخر، فما السبب وراء ذلك؟يوجه أحدهم كلمة نابية لشخص ما أمامه فيبادله ذلك الشخص ردا فوريا بعد أن استولى الغضب على جماع قلبه، وقد يشتد وطيس الانتقام فيمتد من المستوى الكلامي إلى مستوى استخدام الأيدي أو أكثر، ويكون التصرف في جميع تلك السلسلة السلوكية مجرد ردود أفعال متلاحقة يأخذ بعضها بزمام بعض، وقد يعترف الشخص الغاضب فيما بعد بأنه لم يكن يعني ما يقول أو يفعل، بل قد يعض بنانه من الندم على انسياقه وراء تلك الأفعال التي لم يملك فيها إرادته بل انجرف خلالها في تيار الانتقام بغير لجام يصده عن الانخراط في ذلك السلوك المتصاعد من الانفعال.نفس الكلمة أو ما هو أقذع منها قد تقال لشخص آخر فلا تكاد تثير لديه أي رد فعل ظاهر، وربما يكون رد الفعل الداخلي لدى الشخص الأخير قويا جدا لكنه لا يسمح بإخراجه إلى حيز السلوك الظاهري، ولهذا فإذا اقتصرنا على السلوك الظاهري فقد يتسنى لنا أن نعزو ذلك التباين بين الناس بإزاء المثيرات التي تواجههم والاستجابات إلى تباينهم في اختلاف حساسية المخ لدى كل منهم.يعلم معظمنا أن المخ الإنساني محكوم بعمليتين أساسيتين: عملية الإثارة Excitatory، وعملية الكف أو المنع Inhibition، فإذا نحن أخذنا طرفي النقيض من الأشخاص لوجدنا أن الشخص الذي يستشيط غضبا لأتفه الأسباب إنما تكون لديه عملية الكف ضعيفة جدا، وأما الشخص العاجز عن تقديم أي رد فعل ضد أي إهانة فهو مصاب بالبلادة الوجدانية التي تجعل الإثارة خاملة جدا في دماغه.و طبيعي أننا نجد الشخص المتزن وجدانيا وانفعاليا يكون لديه توازن بين عمليتي الإثارة والكف، ويمكن الاستنتاج بوضوح أن جميع العقلاء وأصحاب الذكاء الانفعالي يجيدون ادارة هاتين الكفتين: كفة الإثارة وكفة الضبط، ولكأن الحكمة التي يتوخاها العقلاء هي بذل الجهد الدائب للحفاظ على كفتي ميزان هاتين العمليتين بغير أن ترجح إحداهما على الأخرى، وعندما يجد الواحد منهم أن إحداهما قد رجحت يسارع إلى توجيه الدعم للعملية ذات الكفة الضعيفة حتى تستطيع أن تكفل لنفسها الثقل الذي يمكنها من التوازي مع الكفة الراجحة.إن حياة الإتزان النفسي هي مصالحة دائمة بين كفتي الإثارة والضبط، وإذا حدثت الخصومة يوما فتكون مؤقتة، فما يكاد الشخص السوي ينتهي من معادلة التوازن حتى تبدأ إحدى الكفتين بالرجوح على الأخرى فيسعى من جديد لإحداث التوازن، وهكذا ترتقي النفس الإنسانية في محاولاتها بين المد والجزر.