ألا ساء ما يحكمون
لعل معظمكم يعرف قصة زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع زوجها أبي العاصم الذي ظل متمسكا بدين آبائه ولم يجبر زوجته على ذلك، تذكرت القصة وموقف رسول الله منها ومن زوجها حين كثر الحديث عن ولاية الرجل على المرأة في الأيام القليلة الماضية وهو موضوع يغيب ويعود كلما استجدت أحداث وتكاثرت أخرى تستدعي حضوره والمطالبة بإلغائه أو معالجة الخلل فيه. لقد بقيت زينب متمسكة بزوجها ولم تهاجر مع من هاجروا إلى المدينة المنورة، والدها نبي الأمة وأخواتها وغيرهم من المسلمين والمسلمات ولكن والدها لم يجبرها على الهجرة فترك لها القرار وحين أسر زوجها في غزوة بدر افتدته بقلادة ورثتها عن أمها خديجة بنت خويلد وحين فعلت كان الموقف مهيبا بين جمع من الصحابة وأمام رسول الله الذي قال لقومه: إن رأيتم أن تطلقوا أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا. ففعلوا. رسول الحق والخلق العظيم لم يصرخ في وجهها ولم يقل فضحتنا هذه البنت ولم يأمر بجرها من شعرها إلى أهلها. وتمر الأيام حبلى بالأحداث ويؤسر أبو العاص مرة أخرى وهنا دخلت زينب المسجد وارتفع صوتها بين الرجال والنساء في صلاة الفجر وهي تقول: أنا أجيره، فقال رسول الله: أجرنا من أجرت وكانت في ذلك الوقت لا تحل له بعد تفريق النص القرآني بينهما ولكنها مكثت معه أو مكث معها للرعاية والتطبيب فقد اختلفت الروايات أيهما المصاب ثم انتهت الحكاية بإسلامه وعودتهما لبعض.ذاك هو فعل رسول الله الذي يدعي كثير من الناس أنهم يقتدون به، ولكن حين يتعلق الأمر بقناعاتهم وموروثاتهم الاجتماعية وما تهواه أنفسهم فإنهم يبتعدون تماما عن سنته وأخلاقه وحكمته ومروءته. وحين نتحدث عن ولي أمر المرأة فلا بد أن نسبق ذلك بصورة المرأة في القرآن وكيف جاءت الأوامر الربانية الواضحة لنصرتها ومنحها حقوقها التي سلبت منها في الجاهلية والتاريخ القديم الذي جعل منها متاعا للرجل ضمن ما يملكه من متاع يتصرف فيه كيفما أراد، ففي القرآن تعامل المرأة كالرجل لها حقوقها وعليها واجباتها، فهي شريك ومكمل للطرف الآخر وهو حين يشير إلى حقوقها الخاصة يقدم «لا» الناهية أو النافية ليجُب ما كان يفعله الناس قبل الإسلام فيعلمهم النهج الإسلامي القويم بنهي حاسم «فلا تعضلوهن» «ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا» «لا تضار والدة بولدها» ومع كل هذه الآيات البينات المبينات يحدث العكس تماما فتجنب أوامر الله وتقدم طلبات الذكورة ولهذا تزدحم المحاكم بالنساء المضطهدات من قبل أب أو أخ أو زوج أو غيرهم من الأقارب فكم من امرأة ضاروها بأولادها، وفي النهاية يموت الأطفال أو يعنفون في بيت الأب الذي أعطي أحقية الاحتضان دون وجه حق! وهم في مثل تلك الحالات يستعينون بفهم ناقص لقوله تعالى «الرجال قوامون على النساء» ولا يكملون الآية حتى لا يعملوا بها! «بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم» وكأن من لا يريدون فهم هذه الآية يناقضون القرآن بالقرآن فعجبا! ولا أحسب أن معنى الآية من المعاني المستعصية فهي تشير إلى واجب القوامة المفروض على الرجل ثم تنتفي هذه القوامة بالأفضلية بينهما. فعلى الرجل واجب القوامة إذا كان يستطيع ذلك جسديا ونفسيا وماديا فيقوم على رعايتها وحمايتها وخدمتها بجسده وماله فإذا فقد الرجل ذلك فأي قوامة له عليها؟ ما يحدث أنه يتمسك بقوامته الاجتماعية المفروضة سواء استحقها أو لم يستحقها ومن هنا جاروا عليها وعنفوها جسديا ونفسيا وآذوها في مالها وأولادها فشوهوا قلبها وعقلها ومنعوا عنها نور الله.القوامة قيادة وليست سلطة، قيادة تتميز بالرشد والمحبة والإكرام ولا تعني فرض ما يريده القوام بالقوة أو حتى استلام دور القوامة وهو غير جدير به، وإذا انتفى جمال القوامة فماذا بقي للذكر غير سلطة لسانه ويده، ومن هنا ومن نتائج تلك النماذج امتلأت المحاكم بالقضايا الأسرية وعلى رأسها الخلع، بل إن بعضهم يمارس قوامته الجاهلة بعد الخلع وبعد الطلاق فيؤذيها في نفسها وفي أولادها، وقد يصل الأمر إلى قتلها وقد وصل فعلا فياللأسف بل ياللفجيعة أن تتحول كلمة الله التي ربطت بينهما أداة تدمير جسدي ومادي بسوء أفعالهم، فكم من امرأة حرمت من أبنائها جورا، وكم من امرأة تقاذفها الأولياء، الولي الأول «الأب» والولي الثاني «الزوج» حين تهرب من جحيم الثاني مستنجدة بالأول فيعيدها الأول للثاني وكأنها سقط متاع!! وكم من امرأة تشرب العلقم صباحا ومساء في بيت أوهن من بيت العنكبوت يتسلط فيه الذكر حتى على مالها فبطاقتها البنكية في يده يصرفه على فسقه ومجونه ويعطيها وأولادها ما هو أقل من القليل، هي تتعب وتشقى وتحصل على المال وهو يغط في آثار فجوره حتى منتصف النهار فتبقى على ما هي عليه من سوء خوفا على نفسها وعلى أبنائها منه ومن طابور الأولياء الذين يحجبون الحياة عنها! وكم وكم من حكايات كثيرة أصلتها الموروثات الاجتماعية التي تغلبت على الدين. ونعود لنتساءل ماذا تعني ولاية؟ هل تعني أن يتولى الرجل شؤون المرأة فيحمل عنها ويعينها وتكون ولايته رعاية حب وإكرام من واقع مسؤوليته وقدرته، أم أنها تعني الاستيلاء فيستولي ذكر ما عليها وكأنها مملوكة له فله حق التصرف بها كيفما أراد؟. القرآن يقول إنها الأولى ومن يقول بالثانية فهو بعيد كل البعد عن روح الدين وإن نطق بالشهادة ففي القرآن عدل حتى في خلقهما من نفس واحدة وإكرام لهما فجزاء أحدهما مرتبط بعمله لا بجنسه «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون». «ألا ساء ما يحكمون» فلا فرق بين دسها في التراب أو التضييق عليها في الحياة تماما كما لو كانت تحت التراب. وللموضوع بقية.