لمى الغلاييني

تجاهل النفس الثرثارة

يقبع العديد في نفس مكانه منذ سنوات يستمع لاسطوانة مشروخة تئن بمقطوعات يأس متنوعة من أمثال؛ «أعيش في دوامة من الملل»، «لا أشعر بمعنى لوجودي اليومي»، «أصبح العالم موحشا جدا»، «الظروف أقوى من قدرتنا على التأثير»، «لا فائدة تجدي لأي محاولة مني»، مما يدعوني لاقتراح اسم على هذه الاسطوانة الرائجة هو «هلوسة نفس ثرثارة».إن كثرة الاستماع لاسطوانة النفس الثرثارة يهمش تجربتنا في الحياة ويجعلها مليئة بالخوف والقلق المستمر، لأنها تجيد استثارة تلك المشاعر السلبية بمتطلباتها الأنانية وتفكيرها المستمد من الشعور بالندرة وتكبيل النفس عن توسيع مداركها. ومن خلال تجوالي في قراءة السير الذاتية لاحظت أن عثور معظم المصلحين والقادة المؤثرين على أدوارهم واكتشافهم لطبيعة رؤاهم قد تم بشكل جوهري من خلال استعلائهم بداية عن استنزاف طاقاتهم في دوامات اهتمامات رخيصة، والتفاتهم نحو البحث عن اهتمامات تتجاوز نهم «أناهم» إلى حاجات مجتمعهم، ثم الاستجابة الشجاعة لصوت ضمائرهم نحو التخطيط في مشاريع لتلبية هذه الحاجة، فهم دوما منشغلون في استراتيجية عطاء ينظمون فيها جهودهم كي تثمر رؤاهم في خدمة الآخرين.كثير منا يطمح في تطوير دوره، ويبحث عن شيء ما لجعل حياته أفضل، فبغض النظر عما نملك أو نفعل فهناك شعور ثقيل بالفراغ الداخلي وعدم الإشباع الروحي، وهذا دليل على أننا خارج المسار الصحيح للروح وعلى أننا بحاجة لتصحيح اتجاهنا، وغالبا ما نعتقد أن خطوة التصحيح هي في وظيفة جديدة أو رحلة بعيدة أو بيت مختلف أو زوجة أخرى، لكن البداية ليست هكذا.نحن في حاجة إلى طريقة نتخطى بها الصناديق التي سجنا فيها أنفسنا، والتحرر من حالة الثبات التي حاصرنا فيها أنفسنا، والتأسي ببعض الكائنات البحرية حين تغادر صدفتها القديمة إلى صدفة جديدة أكثر نضارة، من خلال عملية بيولوجية دورية ملهمة من الخالق المبدع. للتجدد الروحي درب واضح يكمن في الانفتاح على مكان ما بداخلنا يسميه المصلحون والفلاسفة «النفس العليا»، تلك المختلفة ملامحها تماما عن النفس الثرثارة المنصب تركيزها حول إشباع احتياجات الأنا والانتصارات الهزيلة والنهم اللا منتهي لاقتناء الأشياء، فالنفس العليا تتجاوز اهتماماتها الحدود الضيقة للعيش ساعية نحو مكاسب من نوع أرقى تجدها غالبا في العطاء أكثر من الأخذ، وفي التسامح أكثر من الانتقام، و في إظهار الحب أكثر من الحسد والحقد. إرهاف السمع لصوت النفس العليا يمنح الوجود انطلاقا من عقلية الوفرة التي ترسل نوايا إيجابية نحو الكون والآخرين فتجذب شبيهها من الأحداث والمشاعر الطيبة، ومن خلال هذا الموقع السامي المتعالي على التوافه يمكنك خلق حياة ذات قيمة أينما ذهبت ومهما فعلت، وسوف تطور من علاقتك مع العائلة والعمل والنمو الشخصي، وسيكون بإمكانك حينها أن تكون واحدا من أولئك الذين يساهمون في جعل العالم مكانا أجمل للعيش.