د. سمية السليمان

السكوت.. شراكة في الجريمة

بين فينة وأخرى تظهر في الأخبار قصص مروعة لتعذيب الأطفال من أولياء الأمور من ضرب أو تجويع وآخرها ما تناقلته الصحف عن أم في خيبر عذبت أبناءها بتجويعهم وضربهم وحبسهم في غرفة في السطح لمدة عامين. هذه القصص مفجعة ومؤلمة نقرؤها ونتأثر ونستنكر فعلها الشنيع ولا يختلف اثنان على خطأ ولي الأمر في تلك الحالات إلا أن تأثيرها وقتي. لم أقرأ بعد خبرا من هذه الأخبار دون أن أجد نفسي أمام أسئلة كثيرة لم يجب عنها الخبر. فهو بحد ذاته يكشف القليل المحدود أما عندما تتم متابعة القصة من أكثر من مصدر فيبدأ التضارب في الأحداث بعض الشيء وفي ظل عدم الوضوح تختفي القصة تماما لتحل محلها قصة جديدة. قصص العنف ضد الأطفال تلملم ويتكتم عليها. عندما يكون الطفل بأمان يكون في مصلحته ذلك أما عندما توقع الأم تعهدا بعدم التكرار وتعاود الكرة فهذا غير مجد. الإظهار الإعلامي ضرورة في مثل هذه القضايا لأنه يجعلها حاضرة في ذهننا ويجعلنا جميعنا أكثر وعيا لاكتشاف هذه الانتهاكات مبكرا وتخليص الأطفال من معذبيهم. ما يتكرر مثلا في هذه القصص هو أن سوء المعاملة أو التعذيب يستمر لمدد طويلة. في حالة خيبر مثلا امتد لمدة سنتين. وإن اقتنعنا بأن الأب وهو مبتور الساق بسبب مرض السكري لم يستطع التدخل لماذا لم يبلغ؟ لماذا انتظر كل هذه المدة؟ كيف لم يكتشف الأقارب أو الجيران اختفاء الأبناء؟ لم لم يسأل عنهم أحد طيلة هذه الفترة؟ أين دور المدارس في الأمر؟ ظهر في القصة أن الأبناء كانوا لدى عمهم لفترة وذلك لحمايتهم من أمهم ومن ثم رجعوا كون الأم وعدت بأنها لن تعاملهم بقسوة. ألم يسأل العم عن أبناء أخيه طيلة عامين؟ هذه الأسئلة ليست بالتحديد لوضع اللوم على أحد بعينه بل لرغبة في فهم ما لا يمكن فهمه. أما اللوم فجميعنا نتقاسمه. السكوت وعدم التدخل عندما نرى تعديات على الأطفال والالتفات للجهة الأخرى بسبب حرصنا على ألا نتدخل في شؤون غيرنا كلها تساعد هؤلاء الأهل المجرمين في تنفيذ جرائمهم. تحت ستار حرمة الأسرة تحدث الجرائم المتكررة في حق الأطفال.حماية الأطفال مسؤولية المجتمع بأكمله وجميعنا لنا دور فيها. قلة من الناس يعرف رقم الخط الساخن ١٩١٩ وهو رقم مركز بلاغات الحماية الاجتماعية في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. يتلقى المركز بلاغات عن العنف الأسري الذي يخص الأطفال والنساء وفئات مستضغفة من المجتمع. كذلك لدينا «نظام حماية الطفل» الذي صدر عام ١٤٣٦هـ وهو نظام رائع، إن طبق بحذافيره نضمن حق الطفل في الرعاية والحماية من الإيذاء والإهمال. لو طبق فعلا لوجدت نسبة لا بأس بها من الأهالي أنفسهم معاقبين وذلك كون الضرب «للتأديب» شائعا والتعنيف اللفظي معتادا. في النظام حتى شرب السجائر بحضرة الطفل مخالف! متأكد أنت في بالك الآن أنه مخالف. فهل سوف تبلغ؟ سؤال صعب، عندما نستصغر بعض الأفعال ومن ثم تكبر دون أن ننتبه لها، نقول في أنفسنا إن هناك حدودا لما نقبله ويقبله غيرنا ولكن هناك أمورا واضحة لن يقبلها أحد مثل الإيذاء والضرب والاعتداءات الجنسية على الأطفال. وإن اتفقنا عليها فهل نعرف من يقوم بها أو من يقع ضحيتها؟ قد نتخيل الضحية منطوية رثة الملابس تستنجد وعلى جسدها آثار الضرب الواضح ونتخيل المجرم على أنه إنسان شرير متسلط وعصبي. هذه التخيلات لا تنطبق في كثير من الأحيان على الواقع. كثر هم من يؤذون أبناءهم وأبناء غيرهم وتجد من يشهد لهم بالصلاح. كثر هم الضحايا التي تخفي آثار التعذيب خوفا من المزيد، والتعنيف اللفظي قد يكسر طفلا أكثر من ضرب العصا. الأقارب والمدارس والمستشفيات لهم دور كبير في اكتشاف الإيذاء والتأكد من سلامة الطفل. في حال الشك يجب التبليغ لرفع الأذى أما إن صددنا عما يظهر لنا فنحن شركاء في الجريمة.