د. أمل الطعيمي

ولي كالبلسم وولي كالسم

في مقالي السابق (ألا ساء ما يحكمون) تعمدت أن يكون المقال بدءا من عنوانه مستندا على كثير من الآيات القرآنية التي أعرض عنها الناس فعلا وأكثروا منها قولا، يعجلون به قراءة وتفسيرا وكأنهم يخافون من مواجهة كلام الله الذي يتعارض تماما مع ما يمارسونه في حياتهم من بعد أن سمحوا للعادات الاجتماعية أن تزاحم الدين بمنكب عريض تكونت بنيته من الخوف ومن بقايا الجاهلية في العقول ومن المرأة فهي كائن ناقص لا يجب أن يمنح الثقة أو الحب أو الاهتمام إلا بمقاييس يتربص بها الخوف والقلق من كل جانب.. وفي هذا المقال أيضا عمدت إلى كتاب الله لأستخرج منه ما يؤكد الظلم الذي يقع على النساء في حالات مختلفة، وتؤكد في الوقت نفسه تجنب الرجل ولي المرأة لكثير من إرشادات نور الله الذي بين أيديهم. فحين سمعنا حكايات كثيرة عن الأطفال الذين حرموا من أمهاتهم وتعرضوا للتعذيب بعد ذلك حتى غيب الموت بعضهم بسبب حكم قضائي جائر يوصي بحضانة الأب لهم وهو الذي اختار السعي للحصول على ذلك الحكم ليس حباً أو رغبة في متابعة أبنائه بل لرغبة سوداء في إهانة الأم وحرق قلبها على أبنائها. مات بعض الأطفال وتشوهت نفسيات بعض آخر رغم أن الله يقول (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) فعجباً لمن يضحي بحب الله له مقابل أن يكسب رضا رجل آخر لا يهمه أمره في شيء سوى أنه ينتمي لجنس الفحول المرضى الذين يتشاركون سوية في نظرتهم الدونية للمرأة، ولهذا يبيحون لأنفسهم أن يعتدوا على حياتها وعلى حقها في رؤية أبنائها وعلى حقها في عدم تشويه صورتها أمامهم وحقها في تربيتهم. وانظروا إلى عظمة الخالق الرحيم وهو يختار موسى عليه السلام لأمر عظيم فيوحي إلى أمه بوضعه في اليم وهو يعلم مدى حبها وخوفها على صغيرها ورأفتها به ولكنه هو الرؤوف اللطيف، فيوحي لها بما يطمئنها (لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك) أفلا نخجل من هذا القول الذي دفع كثير من النساء والأطفال ثمناً غالياً بسبب الإعراض عنه! ويأتي في مقام آخر النهي عن الإضرار بالأمهات والأبناء نهياً واضحاً وجليا (لا تضار والدة بولدها) وتفسير ذلك أنه لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضرار لها. ومع هذا يتكرر الحاق الضرر بالأمهات وبالأبناء مرة بعد أخرى مع الصغار والكبار الذين يحرمون من رؤية أمهاتهم لمجرد أن الأب لا يريد أن تربطهم صلة بها فيمنعونهم حتى من سماع صوتها. وقد انتشر في الأيام الماضية مقطع مصور لطفل مقيد بالحديد والتوبيخ والعنف ينزل عليه لمجرد أنه اتصل بأمه. وقد وقفت بنفسي على حكاية لفتاتين خطفهما الأب من الأم ولم يسمح لها برؤيتهما وظل يوهمهما بأنها تخلت عنهما وهي تحارب منذ سنوات في أروقة المحاكم لتحصل على حقها ولكنهما كبرتا وفي قلبيهما نقطة سوداء على أم تخلت عنهما كما قيل لهما، وعندما حصلت الأم على الحكم أخيراً كانت الصغيرات قد كبرن وكبرت معهن النقطة السوداء والأسئلة التي تدور حولها وصرن في سن المراهقة فرفضن رؤيتها!! كان موقفا مؤلما وأنا أسمع الصغرى فيهن وهي تشتم أمها التي يعتصر قلبها الألم من أجلها في مدينة أخرى!! يا للعار الذي يرتكبه الذكور في حق الدين حين يغلبون الأهواء على قوله تعالى (ولا تلبسوا الحق بالباطل) وما أكثر ما اختلط الحق بالباطل حتى علا صوت الباطل في قضايا للنساء ودفع الثمن غالياً غالياً جداً. أبعد هذا كله وما هو أكثر منه يثور بعضهم ضد مطالبة النساء بإسقاط الولاية التي مورست بطريقة لا ترضي الله ولا ترضي الأسوياء من خلقه ذكورهم وإناثهم حتى وإن كانوا ممن لم يضروا ولم يتضرروا من الولاية، فبعض الأولياء كالبلسم الذي تضعه على الجرح فيبرأ وبالتالي هو ليس بحاجة لتسقط ولايته إلا من باب التخفيف عنه، ولكنها تدرك تماماً الضرر الذي يلحق بالأخريات من جراء ذكور ليس لهم من الرجولة شيء يذكر، وبعضهم كالسم الذي يسري في الدماء فيقتل ضحيته بالتدريج وعلى مدى سنوات طوال، يمارس فيها هيمنته الغليظة على روحها قبل جسدها. فكم من قلوب تشوهت وانطفأ نورها؟ وكم من صغار وكبار يقاسون مرارة اليتم وأمهاتهم على بعد بضعة أمتار منهم؟ وكم من رغبات بريئة حرمن منها؟ إن عدم إسقاط الولاية أمر مؤلم مهما حاولوا تجميله بمخاوفهم وأفكارهم الشيطانية التي تزين لهم سوء ظنونهم الآثمة التي تغلبت على كلمات الحق والنور.