يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ، للأسف هذا النوع من البشر موجودٌ في كل المجتمعات، شخصيات غير طبيعية يُضرب بها المثل في المراوغة والخداع. يلقاك بوجه عمر وبقلب أبي لهب وبلسان مسيلمة الكذاب.مبالغتهم في الحفاوة والترحيب تمثيلية متقنة لدرجة فائقة تشدك للتعامل معهم دون تفكير والغريب أن اكتشافهم صعب في البداية. هذا الصنف من الناس فاقدُ الشخصية، منافقٌ، مُخـادع، كثيراً ما نخدع بمعسول كلامه وبأسلوبه الذي يعطيك الأمان، وكأنه أم حنون تفتح قلبها لصغيرها ليخرج ما في قلبه من مشاعر جياشة وينفض ما في نفسه فيطلعها بكل شيء. في هذه الحالة الكبيرة من الشعور بالاطمئنان معهم قد تشكو لهم شخصاً أساء إليك فيستقبلون هذه الشكوى بالتعاطف معك وينتقدون المسيء وتصرفاته، و ما أن يتركوك حتى يذهبوا إلى ذلك الشخص الذي أساء إليك سرعان ما يتعاطفون معه وينقلون له الأسوأ مما قلت مع زيادة بالطبع. فما أكثر هؤلاء المرضى بين شعوب العالم، المصيبة هي عندما يضعوك في حيره من أمرك هل هم بهذا السوء أم أنت واهم؟!! الحقيقة الصادمة عند اكتشافهم وبعد فوات الأوان، وبعد أن أعطيتهم من قلبك وسمعك الشيء الكثير.هؤلاء هم المتملقون المنافقون يظهرون ما يخفون، وحقيقة أمرهم أنهم شديدو الكراهية والبغض والحسد لك ولغيرك، مخادعون لا يدركون خداعهم لأنهم يكذبون بصدق، ويخادعون بفن. فما أقبح أن يكون الإنسان ذا وجهين!! «: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ» بهذه الصفة وصفهم الله سبحانه.لا يفهمون أن كسب محبة الآخرين بالنفاق والمراوغة والتعامل بلسانين محبة لا يمكن أن تدوم.. محبة مصالح لم تبن على أساس سليم. وصدق الله - تعالى - حينما قال: «أفمن أسّس بُنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين» (التوبة).هذا السلوك الانهزامي الذي يخفي الحقيقة ويغلفها بغلاف زائف ليس له شخصية ثابتة وليست له مبادئ أو قيم، مهزوم من الداخل نشأ على الكذب وتربى عليه وعندما يختلي بنفسه أو مع من هم على شاكلته تظهر حقيقة أمره ويسقط قناعه فيظهر خبث طوية نفسه، ضميره نائمٌ دائماً وأبداً وإذا استيقظ فهو الأصم الأبكم فلا خير في ود ضمير ميت، ولا خير في لسان حلو يلدغ لدغة العقرب.«ليس من خلق المؤمن المَلَق» هذه الآفة الاجتماعية هدفها الوصل لغاية وإذا تحقق لها الهدف ووصلت أصبح من السهل عليها أن تكشف عن وجهها الحقيقي وجه «الغدر» وتطعن بكل بساطة من يتعامل معها سراً أو علنا.يلعبون على جميع الحبال يتلونون في معاملاتهم كالحرباء يخاطبون كل فئة بلغة. يتأرجحون ويتمايلون بحسب المصالح. منهم بعض دول كبرى، ومنهم هيئات ومنظمات، ومنهم جواسيس وخفافيش ظلام، ومنهم إعلام مغرض مبطن حقده. يعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً، ويروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ. يدسون السم في العسل، يخططون ويرسمون مخططات شيطانية خبيثة، مطامعهم فوق كل اعتبار ووقوفهم دائماً لصالح من يُستفاد منه أكثر. أقوال تناقض أفعال مؤيد، محرض في آن واحد، لا يهم، طينةَ المنافقين واحدةٌ على مرِّ العصور، ولكن الفرقَ في الظروفِ المتوافرة، واليوم المجال أوسع للاصطياد في الماء العكر، والفرص مهيأة، فالفتن كقطع الليل المُظلِم، والأزمات في كل مكان ومستنقعاتها كثيرة، وإشعال الخلافات الطائفية داخل بلدانها حدث ولا حرج. اللهم احم هذا البلد من كل سوء، ونجه من ذي الوجهين وذي اللسانين، ومن الذين يكتالون بمكيالين أفراداً ودولاً ومنظمات.