خالد الشريدة

مبالغات شركات التأمين

ربما نجد بعض العذر الاستثماري لشركات التأمين في رفع أسعار خدماتها لمواكبة تقديم خدمات في سوق أصبحت حيوية ومهمة للاستثمار والمستهلكين على حد سواء، لكن لا يوجد عذر في المبالغة في الزيادة، لأنها تكشف عن جشع وتعويض لخسائر بما يتجاوز الواقع الفعلي، ونحن كمواطنين وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة نلمس ذلك بوضوح، ونتوقع رفع الأسعار خاصة في القطاعين الطبي والسيارات من واقع الاستهلاك الكبير في هذين القطاعين، لكن في نهاية المطاف العملية عبارة عن نسبة وتناسب وليست مفتوحة على مصراعيها لتمارس شركات التأمين تعسفا في تقديم الخدمات.في تفاصيل الزيادة وعدم وجود المبرر الموضوعي لها خبر يشير الى أن مجلس المنافسة كشف عن تقدم الغرفة التجارية الصناعية في الرياض بشكوى لوزير التجارة والاستثمار ضد شركات التأمين العاملة في السعودية، تتهمهم فيها بزيادة أسعار التأمين على المركبات بشكل مبالغ فيه، ولو كانت الزيادة طبيعية وفقا للقواعد الاستثمارية والاقتصادية لما اتجه القطاع الخاص للشكوى، فضلا عن تذمر المواطنين من تلك الزيادة التي تستنزفهم وتدفعهم بعيدا عن التأمين الذي أصبح لا غنى عنه، وهذه هي نقطة الضعف التي تعزف الشركات على أوتارها.من المهم وجود خدمات التأمين ولكن الأهم ألا تبالغ في أهميتها وأهمية الخدمات التي تقدمها، وحين يكون عملها منظما ومنطقيا فإنها تكسب ويكسب المستهلك، أما أن يتجاوز الأمر السقف الطبيعي لتقديم الخدمات فذلك ينتج المشكلة ويتحول الى عبث وفوضى تتطلب الحسم والنظام، ولا يمكن لتلك الشركات أن تحمّل خسائر استثماراتها وتشغيلها للمستهلكين بما يفوق طاقتهم أو يضطرهم الى الاستغناء عن خدماتها، وعندما تكون الزيادة مناسبة وفي الحد المعقول الذي يتناسب مع بطء الاستثمار والتضخم فذلك يجعلها مقبولة، أما أن يتم القفز بها بالزانة بعيدا عن الحد المناسب فهذا ما لا يمكن قبوله، ولا نتوقف حينها عند دور مجلس المنافسة والغرف التجارية وإنما نرفع الصوت عاليا لإيقاف فوضى التأمين.أهمية قطاع التأمين تأتي من تداخله مع كثير من القطاعات الأخرى ولقد أثبت فائدته وجدواه في الحياة العامة والنشاط الاقتصادي، لذلك من الضروري أن تكون شركاته موضوعية وواقعية ولا تفرط في تسعيرات شاطحة وغير منطقية لأن ذلك يضر الجميع ويعمل على تسرب كثير منها من السوق في وقت تسمح الحاجة بالخدمات بنموها وظهور المزيد منها، ولكن حين تكون المعالجات قائمة على الجشع والمبالغة فذلك يصبح تهورا وانهيارا متعمدا، لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، والصحيح هنا أن تتم زيادة وفقا لواقع الاقتصاد وبالتنسيق مع الجهات المعنية وليس من خلال التكتلات والتحالفات التي تعمل على كسر عنق الحقيقة وتكوين جدر حماية لها من رد الفعل النظامي، فذلك لن يكون مجديا لأنه ببساطة يخالف الواقع والنظام، وعليه مطلوب من شركات التأمين الاتجاه الى مسار نظامي يراعي المستهلكين والشركات التي تتعامل معها من القطاعات الأخرى وتصل الى بلورة لأية قرارات تتعلق بزيادة تكاليف الخدمات دون ضرر أو ضرار ومبالغات متعسفة تجعل الخدمات غير موثوق فيها.