شرهم حتى في عيدهم
في العيد يغدو كل شيء جميلاً، والنفوس تبدو أجمل وأزكى وأطهر وتسمو فوق كل كدر. في يوم العيد ترى أهلك هم الأغلى، وجيرانك هم الأحلى، في العيد ترى كل ما حولك وقد اكتسى جمالاً فوق الجمال، الناس تتسارع في تبادل التهاني، هي ليست مجبرة على ذلك ولكن هناك حباً يدفعها بكلمات تخرج من القلب لتهديها إلى من تعزه وتغليه، لا يهم إن كانت التهنئة من بنات أفكارهم أو هي مستوردة من خارج إبداعاتهم، هذا كله لا يهم، المهم هو أن تقول للآخرين شيئاً محموداً يعرفك الناس من خلاله أنك تحب الله، وأن الله علمك كيف تحب العالم كله لذا فمحبتك ترسلها للجميع. في العيد هناك من يقول لك بحق (أنت العيد)، كلمتان فقط تُغنيان عن البوح لكثير من المشاعر الدافئة، في العيد حتى الحدائق تبدو لك وكأنها ليست هي التي كنت تراها بالأمس، أزهارها وأشجارها وحشائشها وثمارها هي «جنة الله في الأرض»، وفي عيد الأضحى المبارك تسمع التكبيرات فيذوب قلبك حباً لمن صدح الكون باسمه (الله أكبر كبيراً)، وهذا يعني أن لا شيء يستحق أن يعلو - اهتماماً وقدراً وانشغالاً - فوق جلاله وعظمته، (والحمد لله كثيراً) تعني الاعتراف بالحمد لمن وهب لك حياةً جديدةً في يوم العيد لتنعم بعطاءاته الجزلى من صحةٍ وعافيةٍ ومال وبنين وبسترٍ على نقائصك وبكل ما وهبك الله واختصك به دوناً عن الآخرين، وقبل هذا وذاك يكفيك أنك من المسلمين ولست يهودياً ولا نصرانياً بل أنتَ على دين محمدٍ عليه أفضل الصلاة والتسليم وما كنت من المشركين، في العيد أنت سعيد،، لماذا ؟ أحياناً لا تدري لِمَ ؟ فأهلك هم أهلك، وأرضك هي ذاتها أرضك ونعمك التي كنت فيها بالأمس هي نفسها لم تتغيَّر لم تلحقها زيادةٌ ولا نقصان، لم يتغيَّر عن أمسك شيء، فلِمَ السعادة إذاً ؟!! وتأتي الإجابة في (أنت في عيد ) وهذه تكفيك لأن تنام على حزن وتصبح على فرح فور أن تؤدي شعائر العيد من صلاةٍ وتكبير وتهليل وصدقة، يكفيك أنك تقضي العيد بين أهلك وأحبابك فهناك الملايين بعيدون عن الأهل والوطن، في العيد يزداد فرحك عندما تجد السعادة في عيون صغارك وأطفال العائلة وهم يبتسمون لدراهمك وإن قلت!! هذا هو العالم الجميل الذي نعيشه، وفي الوقت نفسه هناك عالم آخر قد لا تدري عنه شيئاً والأفضل أن لا تعرفه، بيوت لا تستشعر فيها شيئاً من هذا كله، فهي لا تعرف للحب مكاناً، ولا للعطاء قيمة، هي لا تعرف كيف تَسْعَد ولا كيف تُسْعِد غيرها، وكيف تستطيع أن تُهدي الآخرين حباً وسعادةً وهي تفقده وقد قيل صدقاً: (فاقد الشيء لا يعطيه) !! هناك نفوس سرت في شرايينها كل ألوان الحقد والكره والضغائن، تُصبح وتُمسي على قلوب داكنة ظلامها دامس كسواد ليل استل منه كل نور، بيوتها أوهن من بيت العنكبوت، تبحث عن صديق في حياتهم، أو عن جار يتآلف معهم أو عن رحم تصلهم أو قريب يخطب ودهم فلا تجد أبداً!! لا تعجبوا أن يكون مثل هؤلاء بيننا في أيام العيد، نعم هم يعيشون ولكنهم في حقيقة الأمر هم أموات في صورة أحياء، هؤلاء عليك أن لا تغضب عليهم ولا تأسى عليهم كثيراً، فقط عليك أن ترحم بؤسهم فهم محرومون على الرغم من أن نِعَم الدنيا المادية بين أيديهم، هؤلاء مرضى وهم في كامل صحتهم الجسمية والعضوية، هؤلاء يستحقون الشفقة لأنهم بعيدون عن مرضاة الله عز وجل، إذا رأيتهم فقل في نفسك: «الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به عباده وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً» وقفة تأمل: العيد هو الجمال بكل صوره حتى لو كنتَ في أسوأ حالاتك، فأنت مع الله ومن كان مع الله كان الله معه، كن مع الله دائماً ولا شأن لك بالمحرومين. كل عام والجميع في حب وسعادة وصفاء نفس وطهارة قلب وابتسامة تدوم وتدوم وتدوم.