فهد السلمان

من يجر لبنان للحياد عن عروبته؟

كلما تأملتُ ما آلت إليه الأوضاع في لبنان بعد اختطافه، وإغلاق قصر بعبدا إلى حين رضوخ الجميع لإيصال مرشح طهران ودمشق العماد عون إليه؛ أدركت أن إيران غير معنية لا بالشيعة ولا بمواجهة إسرائيل من خلال حزبها هناك، كل ما تريده هو أن تغرس لها في كل عاصمة عددا من الدمى تختطف بهم بلادهم، وتوظفهم لتعليق صور الأئمة على جدرانها، والتسبيح صبحا ومساء بحمدها.لبنان بلا رأس منذ عامين تقريبا، وإلى ما شاء الله، وبلا حكومة بالمعنى المفهوم، فحكومة «المناضل تمام سلام» أشبه ما تكون بحكومة تصريف أعمال مقصوصة الأجنحة، ووزير الخارجية يأخذ قراره من الرابية لا من مجلس الوزراء في السراي، لذلك غاب عن اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والذي أدان التهديدات الإيرانية للمملكة، مكتفيا بإدانة التجربة النووية الكورية الشمالية؛ كونها أكثر أمانا من إغضاب الولي الفقيه، وصبيه في الضاحية، على اعتبار أنه منشغل بالقضية الأخطر حيث نووي كيم يونغ أون أكثر خطورة على لبنان من فراغ كرسي الرئاسة!. لبنان مركز إشعاع عروبي بامتياز، وهو مصنع الكثير من الأفكار العروبية والنضالية على مر التاريخ، وهو أيضا ملتقى ثقافات الشرق، ومعقد أحلام المناضلين من أجل الحرية، ومهد التعايش الأروع بين الثقافات، ما الذي حوله ليكون مسخا من الدول بمثل هذه الصورة؟، ما الذي عقد لسانه ليفشل في إيصال صوته الحر، صوته الذي كان يصل إلى كل أسماع العالم وبقوته الناعمة التي استعصت على كل قوى الاستعمار بما في ذلك الآلة العسكرية الإسرائيلية؟. طهران هي التي عرفت كيف تقصم ظهر لبنان، وكيف تخرس لسانه، وعرفت كيف تجعله يتحرك وفق إرادتها كمسرح الدمى دون أن يُكلف قاسم سليماني نفسه ليحكمه مباشرة كما فعل غازي كنعان ورستم غزالي، وقد تسنى لها ذلك منذ أن دجنت بعض أبنائه، ووظفتهم بعد أن ضحكت على ذقونهم مذهبيا ليكونوا هم بيضة القبان كما يقول المثل اللبناني في كل موازينه، إلى حد أن تعيين أو نقل ضابط برتبة صغيرة لا يمكن أن يتم إلا بعد إذن الحزب المتنمر ووكيل الإمام في خاصرة بيروت. فضلا عن الأمور الأخرى ابتداء من مطامر النفايات، ووصولا إلى رأي لبنان (السيادي) في اجتماعات وزراء الخارجية، والذي لم يعد هنالك أي فرق بين أن يكتبه باسيل أو ظريف، فاللغة واحدة. لكن إذا كانت إيران تشفق على لبنان، وتخاف عليه من أن تلتهمه إسرائيل كما تدعي، فلماذا تُعيق انتخاب رئيسه وتتركه في هذا الوضع المزري بلا رأس؟، ألا يعني ذلك أنها تقدمه لقمة سائغة لإسرائيل بهذا المستوى من الوهن؟، هذه أسئلة مشروعة لكنها تبقى واهية وتافهة حينما يقودنا الواقع إلى أن طهران تبدو في غاية الطمأنينة على حلفائها في لبنان بلا حكومة، لأنها أقرب من غيرها للتفاهم مع إسرائيل، ولهما نفس القناعة أن هذا الوضع الهش في مصلحة الطرفين، وقد نسمع ذات يوم أن الدوريات الإسرائيلية تجوب الجنوب اللبناني لحماية الأمن هناك نظرا لانشغال الحزب في مهمات المصلحة المشتركة في الداخل السوري، وفي صعدة!.