لمى الغلاييني

إن الكرام قليل

علمنا ضئيل جدا مهما بلغ وحواسنا محدودة القدرات مهما اشتدت، وللأحداث زوايا عديدة للنظر فلا نتشبث في رؤية الموقف من إطار واحد ونعتقد أن هذا هو الشكل الوحيد لترجمة الحدث، بل من المفيد جدا لنا إذا كنا حريصين على الاستفادة من جميع ما يواجهنا أن نوطن أنفسنا على اكتشاف طرق متعددة للتفكير في نفس الظاهرة.هل يمكن أن يكون هناك أي عذر مقبول لشخص شاهدته بأم عينك يعطب سفينة في حالة جيدة لصيادين بسطاء الحال يعيشون كفافا على ما يصطادونه بواسطتها؟ وهل يوجد أي تفسير إيجابي يمكن أن يغفر حادثة قتل لغلام بريء لم يرتكب ذنبا؟ لقد اتضح لكليم الله موسى أنه مع كل ذلك العلم الذي يملكه فما زالت هناك تفاسير خافية غابت مقاصدها النبيلة عن ذهنه، مما جعله يستجيب لظاهر الحدث «وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا»، وحتى مشهد قتل الغلام الذي يتعذر أن يكون فيه أي التباس في الفهم، اتضح لموسى عليه السلام أن للحكاية تفسيرا آخر لم يخطر على باله.هنا تبرز أهمية التدرب على مهارة «فن إعادة التأطير Reframing»، وأن تغيير معنى التجربة أو الحدث بوضع إطار آخر حولها يجعلك ترى نفس الموقف بشكل مغاير لاستجابتك الأولى له وبالتالي ستتغير مشاعرك نحوه.- هل الإصابة بنوبة برد مشكلة مزعجة لك أم فرصة للراحة وإعادة ترتيب أفكارك بعيدا عن ضغوط الحياة؟ وما زال هناك تفسير آخر يمدد أبعاد التجربة ويحتاج للاستكشاف.- هل صخب الأطفال في المنزل دليل على شدة الضغوط والفوضى في حياتك؟ أم نعمة تستحق الحمد لله لتمتعهم بصحة وعافية تمكنهم من الانطلاق والتحرك بحيوية؟لقد علمنا سيد الخلق أقوى التدريبات على إعادة التأطير حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه».و كم أبدع الشاعر السموأل في استخدام فن التأطير حين قال:تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليليمكننا الاستفادة من فرصة إعادة التأطير حين نواجه موقفا غير محبب أو صعوبة، وذلك بأن نتساءل مع أنفسنا:أهناك طريقة أخرى لتفسير ذلك الموقف؟ هل هذا التغيير يعد محنة أم منحة؟ كيف يمكنني جعل الأمر فرصة لتعلم شيء جديد؟العديد من الأحداث والمواقف تصادفنا يوميا، ونحن دوما في حالة بحث عن معنى لكل حدث، وفي الحقيقة ليس هنالك شيء جيد أو سيئ بحد ذاته، لكن تفكيرنا في معنى العنوان الذي سنختاره لتأطير الحدث هو الذي يقرر ذلك.نحن نعطي الأحداث معاني مبرمجة ضيقة حسب القاموس الذي توارثناه من مجتمعنا وتربيتنا، وعندما ننوي استنباط معنى جديد ايجابي لكل حدث يصادفنا وعدم الاستسلام لسطوة القاموس القديم، فستتغير مشاعرنا وتصرفاتنا تجاه العديد من المواقف وسيمنحنا ذلك المزيد من الحرية في اختيار الاستجابات.ليست دعوة لرؤية العالم بمنظور وردي رومانسي، لكنها تشجيع على إعادة النظر في تأمل الموضوع لرؤية الكسب المحتمل.