د. حسن العالي

أسواق المال الخليجية

في الوقت الذي شهدت فيه الرياض الأسبوع الماضي عقد الاجتماع الخامس عشر للجنة رؤساء هيئات الأسواق المالية الخليجية لمناقشة إستراتيجية وآليات تحقيق تكامل الأسواق المالية بدول المجلس، بينت إحصائيات إن البورصات الخليجية خسرت منذ بداية 2016 ما يعادل 40 مليار دولار من قيمتها السوقية الإجمالية. ويعتبر السبب الرئيسي لهذه الخسائر هو غياب المحفزات وضعف السيولة التي تراجعت بنسبة 52% ببلوغها 24 مليار دولار خلال شهر أغسطس 2016، وذلك بالمقارنة مع مستوياتها الشهرية التاريخية التي وصلت الى 46 مليار دولار خلال مارس 2016، حيث ما زالت دون المستويات المطلوبة لتحفيز المستثمرين.وبغض النظر عما سيؤول إليه أداء البورصات الخليجية مع نهاية العام 2016، فقد بات الكثير من المسئولين والاقتصاديين الخليجيين على قناعة بأهمية وضرورة العمل على رسم إستراتيجية لتطوير أسواق المال في دول المجلس بما يخدم أهداف التنمية والعمل على التنسيق بين الأسواق، واستحداث أدوات مالية جديدة وتسهيل عمليات تداولها في البورصات الخليجية ومواكبة الأسواق العالمية في تبني المستجدات التكنولوجية.ان التطورات التي شهدناها خلال العقود الثلاثة الماضية أظهرت تبنى معظم دول العالم للاتفاقيات الدولية التي عملت على ازالة الحدود والحواجز بين الدول واذابة المعوقات امام الاستثمارات، الامر الذي ادى الى ترابط اقتصاديات هذه الدول بشكل كبير وتوجه حكوماتها الى الاستفادة من الاستثمار ليكون المحرك الرئيسي لاقتصادياتها، مع الاخذ بعين الاعتبار ما ألقت به الازمة المالية في دول جنوب شرق آسيا من ظلال قد تؤثر على عملية فتح وتحرير الأسواق. ويمكن القول اجمالا ان اسواق المال الخليجية استطاعت ان تطور من القدرات الاساسية التي تمكنها من التركيز على الجوانب التي تمثل الاستراتيجية لتطوير اسواق المال، مثل تطوير البيئة التشريعية وتطوير انظمة التعامل الفنية والترويج لتطوير السوق الاولى وتوضيح دور سوق رأس المال في عملية التنمية الاقتصادية سواء في السوق المحلي أو دول المنطقة.الا أن الحاجة لا تزال قائمة لتطوير أساسيات أسواق المال الخليجية، حيث انه وبالرغم من التحسن الذي شهدته خلال السنوات الاخيرة اذ ان دورها في تمويل عمليات التنمية لا يزال محدودا ولا يزال الجزء الاكبر من احتياجات التمويل يستقطب عبر المؤسسات المالية والمصرفية المحلية والأجنبية.ان هناك عدة عوامل ادت الى محدودية اسواق الاوراق المالية ابرزها ضيق هذه الاسواق المتمثل قي قلة الادوات الاستثمارية، وقلة الشركات المدرجة وقلة الاوراق المتاحة للتداول. كما تعاني هذه الأسواق ضعف نشاط السوق الاولى وبروز طابع المضاربة والافتقار للمعلومات. لذلك لا بد من تضمين استراتيجية تطوير أسواق المال الخليجية توفير مزيد من المعلومات التحليلية والبيانية حول الاداء الاقتصادي وحول الشركات والاسواق المحلية لتزويد المستثمرين بقاعدة بيانات موثوقة. كذلك توفير الإطار التشريعي والتنظيمي ما يحقق ازالة العوائق التي تحد من التدفقات الاستثمارية سواء الخليجية او الأجنبية الى هذه الأسواق، مما يضفي على هذه الأسواق مزيدا من العمق، خصوصا أن عدد الاسهم المتداولة بدول المنطقة لا يتجاوز نسبة ضئيلة من اجمالي عدد الاسهم المدرجة ببورصاتها.ومن المهم أن تتضمن استراتيجية التطوير المقترحة لاسواق المال الخليجية إجراءات تشجيعية لتحويل شركات القطاع العام والشركات العائلية الى شركات مساهمة. وبالنسبة لشركات القطاع العام، يتطلب ذلك وجود برامج متكاملة للتخصيص وما يتطلبه ذلك من انشاء جهاز او هيئة يتم تشكيلها من الجهات الرسمية ذات العلاقة والغرف التجارية بحيث يناط به تنفيذ هذه البرامج وحل المشاكل. اما بالنسبة للشركات العائلية، فإنه يتطلب أيضا وجود برامج لتوعية الشركات العائلية بأهمية التحويل الى شركة مساهمة بحيث تتضمن بيانات احصائية وحقائق معينة حول اهمية التحويل الى شركات مساهمة.علاوة على ذلك، تواجه اسواق المال في دول المجلس تحديات كثيرة من اهمها العولمة وما تتضمنه من انتقال لرؤوس الاموال بكل حرية، مما يستدعي قيام دول المجلس باسناد دور اكبر للقطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتوجه الاستراتيجي لدول المجلس نحو تنويع مصادر الدخل.لذلك، فإن الحاجة لا تزال ملحة أيضا لقيام الجهات المعنية بدول مجلس التعاون بالتنسيق فيما بينها لدراسة اوضاع واتجاهات الاسواق المالية العالمية، خاصة تلك التي تعرضت للهزات مؤخرا والعمل على الحد من الاثار السلبية المحتملة لهذه الهزات على اسواق المال في منطقة الخليج خاصة، وان بعض المصادر تقدر حجم رأس المال الخليجي المستثمر في الخارج بنحو 1200 مليار دولار.وتبرز في هذا الصدد اهمية العمل على تكوين المشروعات الخليجية المشتركة ومنع الازدواجية والتضارب فيما بينهما ، كذلك اهمية الاسراع في تأسيس السوق المالية الخليجية الموحدة لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة، حيث يمكن ان يكون المنطلق في السير في تحقيق هذا الهدف هو العمل على تأسيس هيئة عليا للاوراق المالية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.إن تنامي الاحتياجات التمويلية لدول مجلس التعاون في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة والتي تقدر بنحو 150 مليار دولار عام 2016 يجب أن يدفع لخلق سوق مالية موحدة تتسم بالسعة والتنوع لمقابلة تلك الاحتياجات، حيث كان لانخفاض أسعار النفط اثر كبير في تغيير السياسات المالية والنقدية لحكومات المجلس للتكيف مع الوضع الجديد. ومن الضروري مواصلة هذه الجهود من خلال توفير بيئة استثمارية واقتصادية ملائمة ومتكاملة لأسواق المال الخليجية. ان أي سوق مالية لا يمكنها تحقيق النجاح دون ان يتوافر لها الاستقرار الاقتصادي والنقدي الذي يعتبر بمثابة رسالة مشجعة للمدخرين المستثمرين. لذلك لا بد من تسريع عجلة برامج الاصلاح الاقتصادي بدول مجلس التعاون الخليجي الجارية حاليا، مع ربط الرؤية الطويلة الأجل لهذه الأسواق المال – وخاصة السوق الأولي – بالرؤى الاقتصادية الطويلة الأجل للبلدان الخليجية، وخاصة في مجال تجميع المدخرات وتحويلها إلى استثمارات طويلة الأجل، كذلك تشجيع الشركات العائلية للتحول إلى شركات مساهمة، إلى جانب استقطاب المحافظ الاستثمارية الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.