بين التضخم والإسكان
بعد قرارات الترشيد الأخيرة، ليس من خيارات سوى تفعيل أفكار اقتصاديات المعيشة، وهو سلوك مدني وحضاري عادي وطبيعي أهملناه مجتمعيا من واقع عدم الاكتراث لقيم الادخار ووضع الميزانيات العائلية بحسابات دقيقة، وليس صعبا أن نرتب الأولويات ونتعامل مع الواقع والمستجدات بحذر، فحتى في أكثر المجتمعات رفاهية في الغرب هناك توازن بين الدخل والنفقات بصورة حازمة، فأقساط السيارات وفواتير الهاتف والكهرباء وغيرها تأتي في مقدمة الصرف الشخصي أو العائلي وهكذا أصبح نمط الحياة لديهم، ما يجعل الأمر طبيعيا حتى وإن بدا قاسيا على مجتمعنا الذي لم يكن يتعامل مع دخله وعائداته الشهرية بحسابات صارمة. ما يهم بصورة أساسية فيما حدث وأصبح واقعا هو قضية الإسكان التي يجب أن تسهم في توفير حصة رئيسية في مصروفات الأفراد والعائلات، فالمسكن بالضرورة أحد الاحتياجات الأساسية، وحين يتم توفيره فإنه يقطع نصف المشوار الى حياة الرفاهية والرخاء، لذلك فالكرة في ملعب وزارة الإسكان لتسريع تنفيذ مشروعاتها من جهة ومن جهة أخرى توفيرها بأقل مبالغ ممكنة تناسب الوضع الجديد لانخفاض الدخل، واعتقد أنها أطلقت أفكارا بهذا الشأن ولكن بحسب التجربة فالمطلوب أن يكون ذلك واقعا وليس مشروعات تحت الدراسة أو تصريحات إعلامية، وأي جهد فعلي لوزارة الإسكان يخفض نصف الضغط على المواطن؛ لأن الإيجارات حتى وإن تراجعت بسبب التضخم ووفرة المعروض وانكماش السوق العقاري تظل بندا أساسيا في أوجه الصرف ويجب إلغاؤه. الفكرة الأعظم لوزارة الإسكان والتي يجب أن تركز عليها بمنهج عملي هي أن توفير السكن حاجة أساسية وليست من خيارات كثيرة للتصريح بدراسات ومشاريع لا ترى النور في أوقات قياسية في ظل توفر التمويل لمشروعاتها، وحين تعمل بذلك المبدأ فإنها لا تحتاج لوقت كثير مع توفير التمويل والأراضي البيضاء ومساحات المنح التي سلمتها لها البلديات وبالتعاون مع المطورين العقاريين في إنجاز وحدات سكنية متنوعة وفقا لغالب الشرائح الاجتماعية في وقت وجيز، لأننا بحاجة الآن للوقت لإنجاز كل مشروع أعلنته الوزارة وتمليك المواطنين مساكنهم بما يوفر عليهم الكثير من مصروفاتهم ويضعهم في مسار متوازن للدخل والنفقات بحسب المستجدات الجديدة. أي أن وزارة الإسكان حاليا إحدى أهم الوزارات المعنية بالتخفيف عن ضغوط الحياة على المواطن وبيدها الكثير الذي يمكن أن تقدمه وتنجزه لصالحه، ومر كثير من الوقت في الدراسات ونقل التجارب من الآخرين الذين لم يتأخروا في تنفيذ مشروعاتهم بمثل ما حدث لدينا. الوقت عامل حاسم في معالجة ما ترتب على ضغوط الدخل وميزانيات المواطنين، والتركيز على الإسكان لأنه القضية الرئيسية في هذا الموضوع المهم، فهل تستجيب الوزارة لذلك أم نبقى في محطة الدراسات والتصريحات؟ إن كان الوضع دون استجابة للتحديات المستجدة فإن العامل المعنوي في اليأس من أداء الإسكان يضاعف الهموم ويحبط المعنويات في التخلص من المتاعب المالية لكثيرين يأملون أن يحصلوا على مساكنهم وإلغاء بند الإيجارات من حساباتهم، ما يسمح بتوفير مبلغ كبير من دخلهم، لذلك نؤكد على أن الكرة في ملعب الوزارة للمرحلة المقبلة فأمامها دور أكبر مما يتم حاليا.