محمد السماعيل

علاقتنا مع أفغانستان

تقوم السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية على مبادئ وثوابت يدخل من ضمنها دعم العلاقات مع الدول والشعوب العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة ويدافع عن قضاياها، ولأن افغانستان من ضمن الدول الاسلامية الشقيقة؛ فإن المملكة - ومنذ نشأتها – تسعى إلى تسخير وتكريس قدراتها ومواردها لتحقيق أسباب الترابط والتضامن مع هذه الدولة الاسلامية التي يربطنا معها الانتماء إلى عقيدة واحدة، ما يجعل التكافل الإسلامي هو السبيل لتكاتف الدولتين والشعبين، كما ان هذا التكافل يمثل السبيل لاستعادة المسلمين لمكانتهم وعزتهم، وحين نستعرض العلاقات التاريخية بين المملكة وافغانستان فنحن نتناول علاقات أخوية بين شعبين شقيقين لم يشهد تاريخهما اي علاقات ضعيفة على مر التاريخ، بل كانت علاقة متميزة يكتنفها الصدق والوضوح والتعاون إلى ابعد الحدود، وفي هذا السياق يقفز الى الذهن وقوف المملكة حكومة وشعباً مع افغانستان ومساندتها أيام الجهاد الأفغاني ضد قوات احتلال الاتحاد السوفيتي السابق، فما أن اهتزت كابول هزتها الكبيرة ووقعت في براثن الغزو السوفيتي الا وهبت المملكة حكومة وشعباً لنصرة افغانستان وشعبها، وكانت المملكة سيدة الموقف في الدعم القوي لنجدة افغانستان، واستمرار الدعم حتى تم دحر الاستعمار وتحرير افغانستان من هذا الاحتلال، وليس من دهشة في أن تبلغ مساعدات الدول العربية وعلى رأسها مساعدات المملكة للمجاهدين الأفغان حوالي 85% من إجمالي المساعدات الدولية آنذاك، ولا منة في دعمنا لإخوتنا الافغان، ولست من يقول هذا فحسب، بل إن المسئولين الافغان يكررون في كثير من المناسبات بأن المملكة لا تزال تأتي في صدارة الدول الداعمة لأفغانستان في شتى الظروف، وأن المملكة لم تتخلَ عن افغانستان حتى الآن، معتبرين المملكة شريكاً اساسياً لجمهورية افغانستان الاسلامية، وللتاريخ نذكر بأن بلادنا شكلت – في السابق - اللجان السعودية لإغاثة الشعب الأفغاني بإشراف صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز – رحمه الله - أيام كان ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، وكانت هذه اللجان تتولى إيصال التبرعات إلى اللاجئين والمحتاجين الأفغان، وكانت على شكل مواد غذائية ومشاريع تشمل الصحة والمياه والتعليم والمساجد، كما قدمت بلادنا دعماً سخياً في مجال الخدمات الاجتماعية للأيتام والأرامل والمحتاجين من اهلنا الافغان، ومؤخراً تم دعم الشعب الافغاني بمساعدات سعودية للمساجد وللتعليم، كما تم دعم جامعة كابل بمركز للبحوث وبعض التجهيزات مثل (أجهزة حاسب آلي، والكتب والمراجع والاثاث، وسيستمر تضامننا مع الشعب والحكومة الافغانية في كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمتابع يلمس هذا من خلال العلاقات الاخوية التي توجت منذ أيام قليلة بزيارة دولة الرئيس التنفيذي لجمهورية أفغانستان الإسلامية الدكتور عبدالله عبدالله، الذي كان في ضيافة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - وعقدا جلسة مباحثات، ولا شك في ان هذه المباحثات تناولت تعزيز ودعم العلاقات بين الحكومتين والشعبين الشقيقين، إلى جانب استعراض مستجدات الأحداث في المنطقة، وموقف البلدين الشقيقين منها، كما تناول اللقاء الذي ضم الرئيس التنفيذي لجمهورية أفغانستان الإسلامية مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، التعاون المشترك لمكافحة التطرّف ومحاربة الإرهاب. إن سعي المملكة مع شقيقتها افغانستان الى تحقيق التضامن الإسلامي وصل إلى مراتب جيدة وعالية من التنسيق، وهذا نابع من رؤية البلدين الشقيقين وتصورهما العميق لمعنى التضامن الإسلامي الذي يشمل عدة مفاهيم لعل أهمها مفهوم الأمن الجماعي للدول الإسلامية، الذي لا يكتمل الا بتفعيل دور الدول الاسلامية وتعاونها وتعاضدها في ظل ما يسمى (النظام العالمي الجديد) - وما سينتج عنه من إعادة لهيكلة النظام الدولي والمصالح الجيوسياسية، وما سينتج عن ذلك من تغيرات على الخريطة السياسية العالمية - وهذا التعاون – قطعاً – سيعكس للعالم الصورة المشرقة والحقيقية للدين الاسلامي واتباعه وتعاونهم وتعاضدهم كالجسد الواحد، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).