لا تشوه صورة مستقبلهم
منذ الصغر يجري برمجتنا دماغيا عن طريق القناعات التي استقبلناها دون مراجعة ممن حولنا، وترسخت في أعماقنا لبقائها طويلا في دهاليز العقل اللاواعي دون النقد الواعي لها، وهذا يحفزنا لنكون حريصين جدا بخصوص ما نقوله لأطفالنا، فقبل أن نتهور بمناداة أحدهم بألفاظ مؤذية مثل «غبي»، «حقير»، «تافه»، فمن المهم أن نستحضر شكل الصورة الذاتية المستقبلية لهم والمنطلقة من هذه السمات، فهل هذه هي الطريقة التي نرغب أن يكتسب بها ابناؤنا خبراتهم عن هويتهم؟ دعنا نتخيل صورة فيل ضخم مربوط من قدمه الخلفية بحلقة معدنية صغيرة مثبتة بوتد في الأرض، ورغم قدرته على سحب الوتد في أي وقت يرغب لكنه لا يفعل، لاعتقاده بعدم قدرته، فقد تم ربطه بالوتد منذ الصغر، ولم تمكنه بنيته الضعيفة آنذاك من تحرير قدمه، وترسخت قناعته بعدها على قبول الوتد كشرط دائم في حياته، ورغم انقضاء زمن طويل على محاولاته الأولى، إلا أنه مازال مبرمجا على تقييد حياته داخل نطاق دائرة لا تتجاوز مساحتها بضعة أقدام.يقضي البعض من ثلاثين إلى أربعين سنة من عمره في التحرر من المبرمجات السلبية للسنوات الخمس الأولى من عمره، وكم يختنق العديد بمعتقدات زائفة واهنة تحرم قدراتهم من الانطلاق كأغلال ذلك الفيل المسكين، ورغم هشاشة ذلك الاعتقاد لكنه بمجرد زراعته في اللاواعي فإننا نقبله أمرا مسلما به ونتصرف بأسلوب حياة متسق معه.لقد مارسنا الخوف كثيرا حتى تحول إلى عادة، ومجرد البدء في التحديق بعيني الخوف بشجاعة واعية سيزاح الكثير من مخاوفنا المتأصلة منذ زمن، فنحن غالبا ما نعتقد أن الأسلوب الذي نتبعه هو الوحيد الممكن اتباعه، لكن الحقيقة هي أن شخصياتنا الحالية تشكلت استجابة للطريقة التي اخترناها في التعامل مع تجارب الحياة، وبإمكاننا تشكيلها من جديد بتطوير استجابات جديدة للمواقف. إن أنظمة معتقداتنا الشخصية تبدأ منذ الطفولة المبكرة بتصورات نتلقاها من الوالدين، وتؤدي دور مؤشراتنا الأولى لجدارتنا الشخصية، وبينما نكبر ونتطور نمتص آراء وقناعات من جانب أفراد الأسرة والأقران والمدرسين ترسم لدينا صورة تصبح قاعدة مستقبلية لصور الذات في رحلتنا نحو النضوج، مع أننا إذا راجعنا تلك المبرمجات بنظرة نقدية، فمن النادر أن تثبت جدواها تحت الفحص، حينها سنكسر السلسلة وننطلق لاستخدام إرادتنا وخيالنا المبدع في صياغة معتقدات رحبة ايجابية تمنحنا صورا أكثر جاذبية عن ذواتنا، وتكشف قدرات جديدة داخل أنفسنا.