نجيب الزامل

هل تريدون رأيي بالأمير سعود بن نايف؟

«يُتـَطلبُ أن يكون الرجلُ عظيمًا ليتحلى بصفة الإصغاء».أدمن قراءة السير للأشخاص الذين ملأوا يوما مسرح العالم الكبير، ومنهم العبارة أعلاه التي قرأتها بسيرة الرئيس الأمريكي الثلاثين «كالفن كوولدج».قبل البارحة كانت إثنينية إمارة المنطقة الشرقية المعتادة، وقد شرفتني جمعية «جود» بتمثيلها لتسلم جائزتها من «جمعية الجودة»، و«جود» من أعرق وأنظم الجمعيات النسائية بالعالم العربي. بإثنينية الإمارة شاعت لمسة ذكية ومداها بعيد التأثير وهي أنه بكل أسبوع يكون هناك ضيوف شرف من أصحاب الإنجازات الظاهرة، فيتعدى أن تكون جلسة معتادة إلى جلسة غير رسمية وأريحية لنقل الأعمال المنجزة على سعة البلاد، وتحميل اصحابها فخرا ومسؤولية معًا. ليس هذا ما أريد أن أتحدث عنه، فموضوعي اليوم عن الإصغاء.أحب مراقبة الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية (أميرنا) منصتا لمتكلم بالجلسة، وهذه المراقبة الخاصة لأن أميرنا عنده قدرة، لا أدري إن كانت منحة سماوية؟ أم أنه درب نفسه عليها؟ وإن كانت الأخيرة، فتدريب الذات على الإصغاء الكامل ليس مهمة سهلة. فالأميرُ سعود يصغي بطريقةٍ تجعل أي خطيبٍ ومتكلم بأقصى ما يتمناه، واقصى ما يتمنى متكلمٌ أو خطيبٌ هو حسن الإصغاء. لذا فإني أغبط من يتحدث أمام الأمير.. ولا حظوا أني لم اقل أحسد!أميرنا مهارته ليست فقط بحسن الأصغاء، ولكن بأمر حل علي وكأنه اكتشاف خاص من الاكتشافات؛ يقوم بأمرٍ أكثر، وهو «فعل الإصغاء». لما تنظر للأمير سعود وهو مصغٍ، تجد أنه مسمر عينيه على المتكلم لا يحيد، ولا يلتفت، ولا يشير، وكأن القاعة تحولت خطيبا. ثم إنه ينتصب على كرسيه باستقامة ظهره ولا يستند على ظهر الكرسي، وهذه تجعل الخطيب يعيش لحظات تحفيزية تشعره وكأنه يطفو على الأرض من سعادته، فيتجلى بالتعبير صوتا وثقة وإلقاء. وما يسعد الخطيبَ أكثر تعليقُ الأمير على الخطاب، فتجده استوعب وحفظ أفكار الخطيب التي ألقاها، وجوهر المشروع الذي يتحدث عنه، وكأن الخطبة كانت واجبا منزليا راجعها الأميرُ عدة مرات بالبيت.واحدة من مآسي العالم؛ عدم الإصغاء. والمأساة هي «الاستماع» وليس الإصغاء حتى ينتهي المتكلم أو قبل أن ينتهي فقط للرد عليه برأي مسبق.ما يؤلم ذاكرتنا البشرية هي الحروب، من داحس والغبراء حيث كان الاستماع للناصحين معدوما، إلى أغرب حرب قامت بين فرعي أسرتين ببريطانيا بالقرن الخامس عشر. كلا الفرعين يطالبان بعرش بريطانيا، فرع أطلق عليهم الوردة البيضاء والثانية الوردة الحمراء فسميت «حرب الزهرتين»، بدأت الحرب لما عُرضَت عليهم خطة العرش وكانت بصالح الطرفين، إلا أن الطامعين المتهورين من فرعي الأسرتين استمعوا للخطة ثم مزقوها. لم يصغوا لكلمة واحدة منها. جاء أحفاد الأسرة ليندموا على تضييع فرصة الإصغاء التي سببت حربًا طاحنة استمرت قرابة أربعين عاما!تكلم حكماء اليابان وبعضهم جنرالات حرب ينصحون عن مغبة بدء حرب مع أمريكا؛ عدم الإصغاء كلف أمة اليابان إهانة امبراطورها الرمز، وسحق حضارتها وبشَرِها، بأكبر تدميرين بالتاريخ.أمر «كارثي» ألا نصغي.. ويتعدى الإصغاءُ السماعَ إلى الملاحظة وقراءة ما بين سطور حاجات المجتمع ومتطلبات مدنيته وعدالته ونتاجه. أمرٌ يبدأ من الأب الذي لا يصغي لأبنائه، ولمرشديهم. وكارثي بقطر أوسع على الزعماء والقادة والمسؤولين، الذين لأمرٍ ما، يرون الإصغاء إقلالا من المهابة.معظم خططنا التي لم تسر كما يجب هي إمّا بضيق الرأي.. أو بضياع مهارات الإصغاء.تريدون رأيي بالأمير سعود بن نايف؟ جيد، ارجعوا لصدر المقال!