كيف نرفع دخل السعوديين والسعوديات؟
الإجابة القصيرة، بأن نوفر لهم وظائف مجزية المرتبات، وفي القطاع الخاص، وفي اقتصاد ينمو نموا عاليا. لكن يبدو أن لدينا عجزا مستديما في التأهيل للوظائف «القيمة»، قوامه يزيد على 2.6 مليون وظيفة، وهي الوظائف الاختصاصية والمهنية والتي تتطلب عمالة ماهرة. وتشغل حاليا جل هذه الوظائف عمالة وافدة. في بلدنا من يحارب «الاحلال»، أي لا يؤيد إحلال المواطنين محل العمالة الوافدة! لا بأس فما الذي يمنع أن ندرب الآتي من الشباب ليحل محل من سيتقاعد من الوفدين؟! ما الذي يبرر أن يبقى اعتمادنا في شغل أهم الوظائف وأعلاها أجرا على الخارج؟ ما الذي يمنع أن ننخرط في جهد مُنسق بين كل الجهات المعنية لرفع مساهمة السعوديين والسعوديات في شغل الوظائف «القيمة»؟ لعل هذا التحدي، تحدي شغل (ولا أقول إحلال) السعوديين المؤهلين للوظائف القيمة، هو التحدي الأول أمام هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة.وهناك من يظن أن بوسع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أن تقوم بالمهمة بمفردها، وأن لا داعي لاستحداث المزيد من الهيئات. هذا نقاش دار في أكثر من مناسبة، لكن ذلك غير ممكن لما يتطلبه من تنسيق ما بين الوزارات المسئولة عن القطاعات مثل الطاقة والصناعة والزراعة والتجارة والبيئة والسياحة وسواها، وكذلك مع الجهات التي تطور مواردنا البشرية مثل التعليم والمنظومة التابعة لها. ولعل غياب التنسيق والربط بين جانبي العرض والطلب في سوق العمل السعودية هو أحد أهم أسباب معاناة تلك السوق من التشوهات، التي تنعكس في نهاية المطاف: بطالة بين المواطنين، واستقداما مُفرطا للوافدين، وتدني للانتاجية، بما يمثل -في المحصلة- هدرا للموارد البشرية المحلية، فنحن نُعلمها ونؤهلها ثم نتركها بلا عمل أو بعملٍ متدني الإنتاجية ضيق الأفق بما لا يتسع لإستيعاب أي طموح. المطلوب وظيفة لكل مواطن يبحث عن عمل، وأن نسعى جميعا ليحصل على أفضل وظيفة تجعله يستقر ماديا وتحفزه للإنتاج وتشعل في روحه الطموح والتوثب. وكما ندرك جميعا، وهو ادراك مرتكز إلى الوان وأصناف من الاحصاءات والسلاسل الزمنية الممتدة، أن عدد الباحثين عن عمل يبقى صغيرا مقارنة بأعداد العمالة الوافدة، فمثلا يقدر عدد العاطلين عن عمل من السعوديين بنحو 660 ألف مواطن. وبالمقابل فجملة من يعملون في اقتصادنا نحو 11.7 مليون منهم أكثر قليلا من 4 ملايين مواطن، ويبقى نحو 7 ملايين وافد. وبالتالي، فعدد الباحثين عن عمل يعادل قرابة 12.1% من قوة العمل السعودية. كيف نربط بين الباحثين عن عمل وبين سوق العمل؟ وكيف نوظف المتعطلين من المواطنين والمواطنات؟ الخط الرسمي، طبقا للخطط الخمسية منذ أن بدأت تلك الخطط بالتمعن في قضية التوظيف، هو الاحلال، أي احلال الباحثين عن عمل محل العمالة الوافدة، انطلاقا من ان الاقتصاد لن يستطيع أن يولد فرص عمل جديدة تكفي لكل السعوديين العاطلين. السؤال: ما موقف الرؤية 2030 من الاحلال؟. كما ذكرت، هذا النهج «الاحلالي» عمره لا يقل عن العشرين عاما، وهو يؤدي إلى نجاح- لكنه لم يُطبق، وكان مستندا ليس فقط إلى الأداة التي تصدرت بموجبها الخطط الخمسية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة، بل كذلك مستندا إلى قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 50 للعام 1415. والتوجه الاحلالي يقوم على الزيادة التدريجية لحصة السعوديين من سوق العمل، بمعنى أن الوظيفة التي يشغلها حاليا وافد لا يجب افتراض أنه سيبقى فيها حتى يتقاعد، أو أن يتركها لوافدٍ آخر. وحيث إن القرار رقم 50 لم يطبق، وسياسة الاحلال لم تنفذ وفق ما طرحه القرار الكريم، فيطرح السؤال: بعد مضي عشرين عاما على مخاض «السعودة» (التسمية الحديثة التوطين)، فما التوجه للسيطرة على البطالة بين السعوديين والسعوديات؟ وما السياسة الكفيلة بتمكين المؤهل من المواطنين للحصول على أفضل الوظائف وأعلاها إنتاجية؟ وهل هو توجه احلالي كما بقيت تلهج خططنا الخمسية على مدى العقود المنصرمة؟ أم توجه تعاطفي، أي أن توظيف المواطن يتحقق إن كان: مدفوع الأجر والتدريب، ويتحدث لغتين بطلاقة، ويداوم صبحا ومساء، و«منقطع من شجرة» فلا أم يأخذها للمستشفى ولا ولد ترتفع حرارته أثناء الدوام.. وفوق كل ذلك أن «يحن» معه رب عمل فيوظفه؟! أم نحدث تغييرا هيكليا في سوق العمل بإزالة تشوهاته وازدواجيته واستحداث روابط توائم بين العرض والطلب، فتذهب -بتؤدة فليس من المصلحة إرباك الاقتصاد- الوظائف القيمة للمواطنين، وهي الوظائف ذات المردود المالي والمهني العالي، والتي تجعل مساهمة مواردنا البشرية متنامية في توليد قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، هذه الوظيفة الأساس التي على هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة العمل لشغلها بمواطنين ومواطنات.