د. حسن العالي

التكتل الاقتصادي وتحسين التنافسية

تستضيف البحرين خلال الايام القادمة قمة دول مجلس التعاون الخليجي في ظل تطلعات لتحول دول المجلس إلى تكتل اقتصادي قوي بعد مسيرة من التعاون استمرت لنحو 35 عاما في ظل مجلس التعاون الخليجي. ولكي يتحقق قيام التكتل الاقتصادي الخليجي فإن ذلك يجب ألا يتم بمعزل عن تفعيل وتسريع خطوات دول المجلس نحو التنويع الاقتصادي مصحوبا بزيادة تشغيل المواطنين في القطاع الخاص. وهذه المهمة المزدوجة تواجه تحديات عديدة أبرزها المنافسة المتزايدة من مصادر جديدة للهيدروكربونات على مستوى العالم، وخصوصا أمريكا الشمالية، ويمكن أن يؤدي انخفاض الإيرادات النفطية إلى إضعاف قدرة الحكومات على الاحتفاظ بمستويات مرتفعة من القدرة على توليد الوظائف. ووفقا لدراسة حديثة لصندوق النقد الدولي، فإن التنويع الاقتصادي يمثل عاملا رئيسيا لتعزيز تنافسية دول المنطقة وبالتالي قيام تكتل اقتصادي قوي. ومن شأن زيادة التنافسية أن تسمح للصادرات غير النفطية في هذه البلدان - ولاسيما التي تحقق ربحا وتتسم بقيمة مضافة أعلى - بالمنافسة في الأسواق العالمية والمساعدة على دفع عجلة النمو المنشئ لفرص العمل والذي تقوده الصادرات. ووفقا لتقرير التنافسية العالمي للعام 2016، تقدّمت دول المجلس على كافة الاقتصادات العربية من حيث التنافسية، كما تربّعت هذه الدول على عرش الاقتصادات العشرين الأفضل تنافسية في العالم، إلى جانب عدد من الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا. وبحسب تقرير التنافسية العالمي الذي يشمل 138 دولة في العالم، فقد احتلت الإمارات المرتبة 16 على الصعيد العالمي تلتها قطر التي احتلت المركز 18 ثم المملكة العربية السعودية التي احتلت المرتبة 29 ثم الكويت 39 على مستوى العالم. وجاءت البحرين في المرتبة 48 وسلطنة عمان 66 عالميا. وقد رصد التقرير انعكاس التغيّرات والتطوّرات الاقتصادية فى هذه الدول، حيث يقسّم الوضع الاقتصادي فيها إلى ثلاث مراحل رئيسية وبينها مراحل انتقالية. وتتمثّل المرحلة الأولى في الاقتصاد القائم على الإنتاجية كمحرّك رئيسي، والمرحلة الثانية في الاقتصاد القائم على فاعلية الأداء، أما المرحلة الثالثة فتندرج تحتها الدول التى يقوم اقتصادها على الإبداع والابتكار. ووفقًا للمرتبة التي حصلت عليها السلطنة هذا العام، يوضّح التقرير أنها تندرج ضمن المرحلة الانتقالية من الدول التي يكون فيها الاقتصاد قائمًا على فاعلية الأداء إلى الاقتصاد القائم على الإبداع والابتكار، حيث حقّقت تقدّمًا ملحوظًا في نتائج العديد من المعايير المستخدمة لتقييم أداء التنافسية الاقتصادية. ويعتمد مؤشر التنافسية حسب التقرير على اثني عشر متغيّرا رئيسيا هي الإطار المؤسسي، والبنية الأساسية، والمناخ الاقتصادي العام، وقطاع الصحة والتعليم، وقطاع التعليم العالي والتدريب، وكفاءة الأسواق، وسوق العمل، وكفاءة أسواق المال، والجاهزية التقنية، وحجم القطاع الخاص، والابتكار والتطوير. ويندرج تحت كلّ هذه المتغيّرات معايير فرعية ذات صلة وثيقة بأداء الاقتصاد فى أى دولة. وتتطرق دراسة صندوق النقد الدولي إلى سبل تعزيز التنافسية وقيام تكتل اقتصادي قوي قادر على النمو والمنافسة عالميا، ويحدد أربعة مجالات رئيسية لتحقيق ذلك: البنية التحتية: عادة ما يكون مستوى التنافسية أعلى في البلدان التي تعتبر خدمات البنية التحتية فيها عالية الجودة. ويمكن أن يؤدي تحسين البنية التحتية، مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات، إلى تحسين قدرة الشركات على الاتصال بالأسواق المحلية والأجنبية، مما يمكن أن يُحْدِث تأثيرا كبيرا على الإنتاجية والنمو. وفي كثير من بلدان الشرق الأوسط لا تتسبب البنية التحتية الضعيفة في إعاقة حركة العمالة فقط، وإنما قدرتها الإنتاجية أيضا، وذلك على سبيل المثال من خلال عدم كفاءة حركة السلع والخدمات إلى الأسواق وعدم استقرار إمدادات الكهرباء وشبكات الاتصالات. وعن طريق الاستثمارات العامة الكفؤة والموجهة بدقة، يمكن الإسراع بتعزيز جودة البنية التحتية وزيادة فعاليتها. رفع مستوى التعليم والتدريب: عادة ما تكون التنافسية أعلى أيضا في البلدان ذات القوة العاملة المؤهلة. ورغم الزيادات الملحوظة في معدلات الالتحاق بالتعليم، فإن جودة التعليم عبر بلدان المنطقة أقل بكثير من مثيلتها في البلدان الصاعدة والنامية الأخرى. وبالتوسع في التعليم الثانوي وما بعد الثانوي وتحسين جودته، وكذلك التدريب المهني وأثناء العمل، يمكن رفع قدرة العمالة على أداء مهمات معقدة والتكيف بسرعة مع تحرك الشركات إلى أعلى سلسلة القيمة متجاوزة عمليات الإنتاج والمنتجات البسيطة. ويمكن أن يدعم هذا توظيف المواطنين (أكثر من الوافدين) في البلدان المصدرة للنفط، لأن مهاراتهم الجديدة يمكن أن تؤدي إلى زيادة أرباح الشركات. تطوير السوق المالية: كذلك تعتمد التنافسية على توافر رأس المال بشكل فوري. ومن الملاحظ في بلدان المنطقة أن ائتمان القطاع المصرفي مركز في شركات معينة. بل أن معظم الشركات في المنطقة تشير، حسب مسوح الشركات الصادرة عن البنك الدولي، إلى أن محدودية فرص الحصول على التمويل تمثل العقبة الرئيسية أمام ممارسة الأعمال. وتؤدي سهولة تدفق رأس المال إلى تيسير عمل الشركات، وقدرتها على التوسع، وانتقالها إلى عمليات إنتاجية أكثر تطورا. ومن المتطلبات الحيوية في هذا الخصوص وجود قطاع مصرفي سليم، وأسواق أوراق مالية تخضع لتنظيم جيد، وتوافر رأس المال المخاطر ومنتجات مالية أخرى. كفاءة سوق العمل: غالبا ما تزداد التنافسية حين يكون لدى العمالة حوافز لبذل قصارى جهدها في العمل. ويمكن تعزيز مثل هذه الحوافز في بلدان دول المنطقة من خلال الإصلاحات التشريعية التي تسهل انتقال العمالة بين الوظائف في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتشجع إسناد المناصب لأصحاب الجدارة، وتسمح بمرونة الأجور مع الحفاظ على مستوى كاف من الحماية الاجتماعية. وترتبط التنافسية وقيام التكتل الاقتصادي ارتباطا وثيقا أيضا بعدة عوامل أخرى. ومن بينها الإصلاحات التي تيسر دخول الشركات إلى السوق وخروجها منه، وتعزز الهياكل التنظيمية والقانونية (بما في ذلك آليات الإعسار وحقوق الدائنين)، وتدعيم الحوكمة الرشيدة، وكلها يمكن أن يعود بنفع كبير على قيام تكتل اقتصادي قوي بين دول مجلس التعاون الخليجي.