نجيب الزامل

الملك والمحبة وأمي

الحب الذكي يعرف ما هي العوائق، ولكنه لا يعترف بها، ويعرف الموانع ولكنه يقفز فوقها، ويرى الأسوار الحاجزة ولكنه يعرف كيف يتسلل منها، ويرى الجدران ولكنه يعرف كيف يقتحمها، كي يصل لمكانه المضيء مفعمًا بالهواء النقي.. ويالأمل.لو سألتموني كيف ترى زيارة ملك البلاد سلمان بن عبدالعزيز لمنطقتنا الشرقية؟ لكان الوصف أعلاه عن المحبة هو عنوان الزيارة الأكبر.. روعة الزيارة ليست فيما نراه من افتتاح لمشاريع عملاقة واحد تلو الآخر فقط، ولكن لما لا نراه من المشاعر التي هبت علينا فافتتحت القلوب.المشاريع تتحدث عن نفسها، فهي بارزة واضحة كالشمس في رائعة النهار، والإشارة للشمس بأنها موجودة وهي متساوية بوسط السماء لا يفيد إلا بوجود الموجود.. ومشاريعنا الكبرى موجودة وظاهرة ولا تخفى.. ولا يمكن أن تُنكر. على أن المغزى وراء افتتاح الملك سلمان لكل تلك المشاريع ليس مجرد افتتاح مادي ظاهري إنما تحت مظلة ما لا نراه بأعيننا من محفل المحبة والرعاية التي تشعر بها، أو تراها، القلوب.لماذا؟نعم لماذا أصف الزيارة بمحفل المحبة؟ أسباب تبدأ ومن الصعب أن يحصرها مقال بخيل ضيق. على أن أولها هذا الانشراح الذي عم الناس بالمنطقة الشرقية بأن أبا الجميع جاء ليتفقدهم لا ليفتش فقط في المشاريع ويفتتحها، وأنه افتتح المشاريع ليس لكونها مشاريع جامدة ولكن لأنها مشاريع حيوية تضج وعودا لمستقبل يجعل الناس يطمئنون على غد جديد ومستمر الوفرة، وهذه المشاريع ستعود للناس كافة وستصب في منفعتهم وهذا سببٌ دفاقٌ لدماء المحبة بالعروق.قد يشتكي ابن من الأبناء بأنه أقل حظا من بقية اخوته، وهذا يحصل في معظم الأسر، وقد يكون احساسه صحيحا، وقد يكون لا يصل للصحة بأي معنى ولا تبرير ولا تفسير، ولكن تبقى حقيقة الشعور. لذا يأتي الأب الحدوب الذي يحب ابناءه ويرعاهم ويقوم عليهم بالتساوي بالمشاعر الأبوية بحكم طبيعة الأبوة فيعتني بذلك الابن الذي تمر عليه سحابة الظنون، فيأتي ويبتسم في وجهه ويربت على كتفه ويزيل السحابة من فوق رأسه، ويقول له: «يا بني أنا أحبك، وجئت خصيصا لك كي أطمئن عليك وأراك، لأن هذا يسعدني». هذا التعريف المبسط، هو أصل كل محبة ورعاية وقيادة وحكم في الدنيا؛ محبة القائد لشعبه. ولا تستمر الأمور على ما هي عليه ويبدأ التمرد والتشكي والاعتراض عندما يفقد القائد هذه الصفة أو يشعر كافة شعبه بعدم محبته لهم.. في دعوة مقتصرة بمجلس الملك -حفظه الله- قبل الأمس، كنا مجموعة قليلة ذاهبين بانشراح، وحتى بلقائنا بإمارة الشرقية قبل الانطلاق للزيارة كنا نتحدث بفرح، وسأقول لكم شيئا عم جلستنا وهو أننا فجأة صرنا نطري بعضنا بعضا فردا فردا، وكل يبين للبقية ما قدموه لمجتمعهم ووطنهم تحت مظلة مشاعر محفل المحبة للزيارة الملكية. وفي القصر كان الجميع باسما من المستقبلين، وسمعنا أجمل كلمات الترحيب اللطيفة، وكل وزير كان مرتاحا عفويا وهو يتحدث عن مشاريع وزارته. وتحدث الملك بكلمة لا تحمل إلا صفة المحبة، ثم أنه ختم حديثه بتلقائية الأب قائلا: «أي مواطن لديه ملاحظة فليتصل بي».. ماذا تقولون بهذه الجملة؟ أترك لكم ذلك.أمي برأيي من أهم من فلـْسَفَ حقيقة الفرق بين الملك وبين الرئيس الجمهوري، وقالت لي مرة: «الملك يا بني أبٌ يملك البيت، فيحرص على الأبناء وعلى البيت. ورئيس الجمهورية.. مستأجر عابر!»صح لسانك يا أم نجيب.