قل خيرا أو اصمت
مجموع الأفكار اليومية التي يستقبلها دماغنا عدد هائل جدا، إذ يتعامل العقل الواعي بين حوالي سبع أفكار في نفس الوقت بضجيج داخلي مخيف، ويحدث ذلك في حالة بيتا الدماغية التي تتسارع فيها الأفكار لدرجة لا تسمح بحدوث استغراق في فكرة واحدة مما يصيب العقل بالشتات.هذا ما يسميه الصينيون القدماء بعقلية القرد، حيث تتأرجح الأفكار كالقرد المصاب بفرط الحركة، والذي يقفز من شجرة إلى شجرة بسرعة، من الماضي البعيد إلى المستقبل المجهول بلا سرج ولا لجام، والعقل يلهث خلفه متماوجا مع موجات المد والجزر العاطفية، فأحاسيسنا رهن أفكارنا التي تجري بِنَا في موج شعوري كالجبال، ففجأة تجتاحنا بهجة الأفكار السارة، ثم ينتقل القرد إلى فكرة قلقة فيسوء المزاج، ثم يقفز فجأة إلى موقف حزين وهكذا بلا توقف. وتبعا لما يقوله علماء النفس، تزداد تلك الحالة حدة بازدياد «الثرثرة الذهنية» ذلك الحديث الداخلي الذي يتم بين المرء ونفسه بلا فلترة واعية، كإدمان التعليق السلبي، والتفوه بكل فكرة تدور داخل أنفسنا، أو البوح بكل ما يرد على أذهاننا أو يصل لأسماعنا، كشريط مسجل يدور ويدور ولا يتوقف عن الدوران متحدثا عن أشياء مزعجة ومحبطة كالغيبة والنميمة، إحياء الذكريات السلبية، نقد الأحداث المحيطة.تقف تلك الثرثرة في طريق الاستمتاع بالحاضر أو استثمار المستقبل الذي هو نتيجة لتفكيرنا الحالي، فهي تتلاعب بنا في كل وقت دون منطق ولا محاكمة سليمة فتستنزف قوانا وتشتت انتباهنا، مما يسلبنا قدرا كبيرا من الطاقة الثمينة التي يمكن أن تستغل في تطوير اللياقة الذهنية، وتخيل لو أن هذا الحطام العقلي يطفو على سطح بحيرة، فهل سيكون من السهل علينا السباحة فيها أو التمتع بالنظر إلى مياهها الرقراقة؟؟ هذا ما يجعل الصمت أو السكون من العوامل المهمة لإسكات ذلك الصخب وتحويل الطاقة الذاتية إلى التركيز على تطوير القدرات العقلية في التأمل العميق واستجلاء معاني أعمق للعيش، وإن أول تدريب للصفاء الذهني هو في تدبر الحديث الشريف «قل خيرا أو اصمت»، فهل كلمتك التي ستتفوه بها الآن ستملأ فضاءات الكون بالحب والإيجابية، أو بمزيد من التلوث والسلبية الذي ستكون أنت أول من يتضرر منه؟.