حروب التواصل الاجتماعي تفرقنا
ارتباط نمط الحياة بمواقع التواصل الاجتماعي والوسائط التقنية يفترض أن يكون إضافة للسلوكيات الفردية والاجتماعية، ومن مسماها تبرز فكرة التواصل وليس التقاطع، ولما لم تكن وظيفتها تنتهي إلى قطيعة بين الأفراد أو تهديم المجتمع فإن الخلل بالتالي في المستخدمين وسوء أو غياب وعيهم بأهمية توظيفها لأغراض التواصل ومد جسور الصلات والتقارب ورفع مستويات المعرفة والتنوير من خلال تبادل الآراء والأفكار والخبرات والمعلومات والأخبار الصحيحة للأحداث في مختلف المجالات والاتساع بالفكر إلى مستوى الآخرين الذين يتدفقون بمشاركاتهم الإيجابية الثرية.في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر أنماط من المشاكل التي تتجاوز الإساءة لوظيفة التواصل الاجتماعي الى أكثر من ذلك بإنتاج عداءات ومشاكل تصل إلى القضاء على نحو قرار المحكمة الجزائية في جدة مؤخرا بمعاقبة فتاتين بالسجن لمدة عشرة أيام وجلد كل منهما عشرين جلدة داخل السجن، بسبب تبادلهما السب والقذف في محادثة «واتس آب» والأدهى وأمر أن القاضي حين قرر تحويلهما إلى لجنة الصلح لم تقبلا ذلك، ما اضطره لتوبيخهما، واعتبر ذلك من الجرائم المعلوماتية، ليصدر حكمه ضدهما.ذلك يضعنا أمام حالة مأساوية في المنظومة الاجتماعية، ففي الوقت الذي تعمل فيه هذه التقنيات على ربط العالمين، وتجتهد المؤسسات الاجتماعية لإعلاء القيم والفضائل والمساهمة الإيجابية في تطوير الوعي، تظهر مثل هذه الحالات، وإني على ثقة بأن كثيرا منها لم يصل المحاكم ولكن تضررت علاقات أفراد بسبب سوء الفهم أو الوصول الى مرحلة التشاحن والتنابذ ومن ثم القطيعة، لتصبح التقنية عامل هدم للعلاقات الإنسانية والاجتماعية بدلا من العكس.في تقديري، أن القضية بحاجة الى الوعي بالدرجة الأولى، لأنه لا يمكن توقع ان يصل العداء بطرفين تخاصما عند القاضي الى رفض قبول الصلح وإعلاء قيمة المسامحة والتسامح والعفو، فهنا حالة انهيار واضحة لتلك القيم، ولا يمكن تصوّر أن ننتهي الى مثل هذه النهايات المؤسفة ونبقى أسرى لشيطان يفتح كل وساوسه لأولئك الذين يتبادلون الرسائل عبر وسائط التواصل، وحتى نظام جرائم المعلوماتية لم يأت إلا لانتشار هذه السلوكيات القبيحة من أجل الحد منها والسيطرة عليها، أي احتجنا لنظام مستجد لم نكن بحاجة اليه إذا كان الوعي على ما كان عليه قبل ظهور التقنيات التي لم نحسن استخدامها.قد نجد عذرا خجولا لاحتكاك الفتاتين ووصولهما الى تلك المرحلة من تأزيم علاقتهما وتجمدها، لكن لا نجد العذر لرفض الصلح، فذلك له معانيه ودلالاته النفسية والعقلية التي تؤكد أن هناك خللا بالتفكير ومنظومة القيم، وطالما أن لدينا أعرافا اجتماعية متماسكة ورصينة من صميم ديننا الذي هو دين التسامح والمحبة والأخوة والجمال الإنساني، فذلك كفيل بأن نقف عند حدود العقل في رفض انهيار قيمنا الذاتية وأخلاقنا الاجتماعية والدينية، وألا نسمح للشيطان بإبقائنا في ذلك النفق المظلم الذي يحرمنا إطلاق أجمل ما في أنفسنا من حب وكف للأذى عن الآخرين، قولا أو فعلا، تصريحا أو تلميحا. فنحن بخير؛ كلما تمسكنا بجمال أنفسنا التي نبتت في هذا المجتمع العريق في حضارته وقيمه وأخلاقه وروحه الإنسانية النبيلة، ولا يمكن أن نسمح لسلوكيات شاذة بتقديمنا بهذه الهشاشة الإنسانية التي لا تليق بنا.