لمى الغلاييني

ما خطوتي الأولى الآن؟

مضى عشر سنوات على زواجهما لكنهما يتشاجران في كل مرة يحتاجان فيها إلى اتخاذ قرار مهم في حياتهما، تتهمه بأنه مستبد الرأي، ولا يبدي اهتماما لما تفكر به، وتود لو يصبح أكثر تفهما لما تقدمه من مقترحات، أما هو فقد شرح مشكلته وقال: «كلما كان لدينا قرار نتخذه علي أن أبدأ أولا بعرض وجهة نظري، لأنها لا تعرف ماذا تريد بالتحديد، وحين أنتهي من عرض فكرتي تبدأ بمهاجمتها ونقدها فأدافع عن وجهة نظري وينتهي الأمر بالشجار، وأتمنى يوما لو تتوقف عن مهاجمة أفكاري وتحاول استيعابها بحيادية».في مجادلة كهذه، يمكن أن تستمر الأمور لوقت طويل بنفس المشكلة كما لو أن هناك قوى شريرة يسعدها ايقاد الشعلة واستمرار ذلك الدوران المتعب والمدمر للعلاقة، فكلاهما يتوقع من الآخر أن يتصرف بصورة معينة، وبالتالي يتبنى كل منهما وجهة نظره كترياق للموقف، ولكن تأمل الأمر من الخارج يكشف أن هذا الترياق هو الداء العضال، وكلاهما لا يحتمل مناقشة موقفه وهو ما يحافظ على استمرار الدوران في الحلقة المفرغة بقوة، كالبقاء مضطرا في لعبة ذات قوانين مخيفة لعدم وجود إرشادات لكيفية الخروج أو تغييرالقواعد. حين ننظر من الخارج نجدهما يتقاسمان نفس الأسلوب الخاطئ في التفكير، بمعنى أن كليهما يعتقد أن تصرفاته هي رد فعل للآخر، وأن الآخر هو الذي يبدأ المشكلة برمتها، وهكذا يتمنى كل واحد منهما أن يتغير الآخر حتى تصبح الأمور على ما يرام، وكلاهما لديه نصف الصورة ونصف الحقيقة، وامتلاك نصف الحقيقة قد يكون مضللا كالكذب، وإن محاولة دراسة جانب واحد من أطراف الاتصال هو كمتابعة مباراة تنس بالنظر لأحد نصفي الملعب، وقد نمضي الوقت الطويل نتساءل من أين تأتي الكرة.نقطة التحول في هذا النوع من الشجار هي الخروج من الموقع الشخصي ومحاولة النظر للموقف بحيادية من الخارج بأن نسأل السؤال الأساسي: ما الذي يمنع الموقف من التغيير؟ ما خطوتي الأولى التي سأبادرها الآن؟إن الدوران في تلك الحلقات المشدودة يمكن أن يستمر ويتصاعد بشكل متواصل حتى يصل للعنف، لأن كل طرف حبس نفسه داخل منظوره، ونحن دوما نرى أن ما نفعله هو الصواب والمنطقي تماما، ومن وجهة نظر الشخص الآخر يبدو ما نفعله خاطئا أو غريبا للغاية. وقد نكون أنا وأنت جزءا من هذه الحلقات المقيدة، وستتسع خريطتنا الإدراكية كثيرا لو حاولنا دوما في كل المناقشات أن نغادر موقعنا الشخصي ونتفقد موقع الآخر بحيادية فسيمنحنا ذلك رؤية أوسع وبداية جديدة لعلاقات صحية مع الطرف الآخر.