د. هاني الملحم

العُفّاش الصغير

استوقفني بدهشة واستوقف الكثير ما وقع مؤخرا من مشاجرة بين طالب ومسؤول بمدرسة في محافظة تثليث التابعة لمنطقة عسير، والتي قام على إثرها الطالب بجلب سلاح معه إلى المدرسة في محاولة للتعدي على أحد زملائه وفقا لما تناقله مغردون في شبكات التواصل، وواقعة المشاجرات الماضية بين الطالبات في جامعة الطائف وتبوك والتي لا نستطيع أن نسميها إلا تنامي شرارة «عُفاش الصغير» في مسارات التعليم، والتي تنذر بخطر، والتي لا تشكل ظاهرة عامة، ومن يتابع نوادر الأعراب يجد هؤلاءِ عُفاشة من الناسِ بالضمِ وهُم من لا خير فِيهِم وكذلك نُخاعة ولُفاظة، والأعفشُ وسموا عُفاشة كما تقول غالبا العرب على رُذالِ المتاعِ، ومعنى عفش في لسان العرب عفشه يعفِشُه عفشا وجمعه عُفاشة من الناس تعني من لا خير فيه من الناس. ولعل ما نطق به المتحدث الإعلامي باسم تعليم بيشة من وقوع مشاجرة جماعية بين مجموعة من الطلاب بإحدى المدارس بمحافظة تثليث، حيث خرج طالب من المدرسة وقام بإطلاق النار على المدرسة ومنسوبيها ولم يصب أحدا تعد سلوكا مفجعا وطارئا يستحق الدراسة والحزم والمتابعة لمساسه بالأمن واحترام الحرم التعليمي.وكم لهذا السلوك وتوابعه وأسبابه دوافع يجب أن لا تمر مرورا طبيعيا، فما حدث يهز الرواق التعليمي، لذا من الضروري البحث عن أسبابه ودوافعه حتى لا تجني الأيام رزايا وضحايا جددا، فالميدان أصبح يزعجنا ويكشف لنا عفاشين صغارا بين الشباب تحديدا، فسلوكيات الشباب المتهور تؤدي إلى الاندفاع والسير وفق أجندة القبيلة ربما أو التعصب والأثرة من ناحية أخرى، والتي لو تأملت أسبابها وملابساتها لوجدت أن طاغوت الأنا والشعور بالعجز واليأس، والإحساس المستمر بالنقص والفشل، والعزلة الاجتماعية تعد من الأسباب المؤثرة داخل البيئة التعليمية ومسيرتها الهادفة، والتي تنوعت أخيرا صورها فأصبحنا نسمع عن المزيد من المشاجرات من المراهقين حتى في الشوارع وفي منصات الرياضة وغيرها كون المراهق وجد أن قوة جسده أقرب شيء يحاول من خلاله الثأر أو تصفية حسابات أو تمرد معين، خاصة في ظل غياب الرادع متناسين القيم الدينية والتربوية التي تنهى عن البغي فالدِّين الذي ابتعد عنه العفاشون الصغار كان همزة الوصل الساقطة في حساباتهم ربما، والتي سببت لهم مزيدا من الانفجارات العاطفية الممزوجة بنفس اليأس، والتي وضعتهم في شبك العدوان، بالإضافة إلى عدم رسوخ أخلاقيات التسامح والصفح من ساحة الفكر والقلب مما جعلنا نسمع عن مزيد من أفلام وظواهر غريبة تبرزها وسائل الإعلام وتتنافس لنشرها وتهويلها. وإنا ننتظر وفق هذه المماسات الشاذة الطارئة من مجتمعنا ومؤسساتنا كلها الآتي: أولا: أن تاخذ هذه الممارسات حجمها الطبيعي بلا تهويل إعلامي كونها سلوكيات تفرضها عوامل السن والنضج وعدم تقدير العواقب، فشبابنا في الأغلب فيهم الخير الكبير.ثانيا: أن نسمع قريبا عن تضافر مجتمعي بخطط واضحة لمعرفة أسباب هذا السلوك العفاشي المفاجئ، وإيجاد الحلول بهدوء واتزان بعيدا عن ردات الفعل السلبية.ثالثا: تضافر الجهات المعنية في التعليم والداخلية لسرعة توفير المناخ الأمني المناسب حتى لا يكون ضحاياها الطلاب، والتي تتعلق في أكثرها بنظام العلاقات القائمة بين المراهق وأهله من جهة، وعلاقاته بالآخرين وثقافة القبيلة من جهة ثانية، ناهيك عن أسباب اجتماعية وعائلية كالتفكك العائلي، وانعدام الأمن والعاطفة نتيجة عوامل اجتماعية مختلفة. رابعا: الدراسات الجادة العملية لتوظيف القوى الأمنية داخل المدارس، وتوسيع دائرة أجهزة المراقبة العامة، فالمؤسسات التربوية والأسرية موكلة بالتعاون لإعادة النظر في رؤيتها وحساباتها وتربية أبنائها، فالعفاشون الصغار هم أبناؤنا من الطلاب والطالبات الذين بعضهم ضحايا ظروف اجتماعية خاصة حتى لا يكونوا خطرا قادما يعيق توافر مناخ صحي تعليمي يعيد تقويم السلوك وضبطه.لذا فالتنادي السريع لانتشال مرض طارئ داخل النفوس الحالمة ضرورة مشتركة من الجميع، حتى لا يكبر نادي العفاشين الصغار فتكبر الخسائر ويكبر بعدها الندم.