لمى الغلاييني

حول خطورة فخ اللغة

في كتابه «من خلال الزجاج» يستعرض الكاتب لويس كارول مشهدا فلسفيا بين البيضة الكبيرة «همتي دمتي» والطفلة أليس التي تشعر بالارتباك أمام إحدى الكلمات التي نطقت بها البيضة، فقد أوضحت لها عدم فهمها لمعنى الكلمة «مجد»، فتبتسم البيضة بازدراء قائلة، بالطبع لن تستطيعي فهمها حتى أخبرك، فذلك يعني أن «هناك مجادلة حادة لطيفة بانتظارك».اعترضت أليس موضحة أن كلمة «مجد» لا علاقة لها إطلاقا بالمعنى الذي شرحته البيضة، فأجابتها الأخيرة، «عندما أستعمل كلمة فإنها تعني فقط ما أختار أن تعنيه لا أقل ولا أكثر»، لكن دهشة أليس تزداد حول إمكانية اتساع معاني الكلمات لدلالات مختلفة، مع احتفاظها بالقدرة على عدم تزييف الحقيقة، فترد البيضة بثقة، «القضية هي للمعنى الذي تكون له الغلبة، ليس أكثر».نحن نحتاج إلى لغة مشتركة للتواصل، وهذا ما استغلته البيضة «همتي دمتي» لتفرض معناها العجيب لكلمة «مجد» رغم الاحتمال الكبير بألا يتوصل الآخرون إلى المعاني الباطنية التي تقصدها، وهذا هو فخ اللغة، لأننا حين نستخدم الكلمات والجمل خلال تحدثنا مع الآخرين، فإن كلماتنا تعبر عن أفكار قابعة في أذهاننا ومبهمة لمَنْ أمامنا، وتظل معاني تلك الكلمات التي استخدمها تدور في ذهني وتحبس فكرتي بداخلها، ولن يتمكن الآخر من فهم ما تعنيه هذه الكلمات بدقة بالنسبة لي، وهنا تبرز معضلة اللغة المشتركة كلغز عسير.تزداد خطورة فخ اللغة تحديدا حين نود التعبير عن أحاسيسنا، فحين يقول أحدهم «أعاني من الألم» فلا أحد يستطيع تحديد حجم معاناته بدقة، لأن لكل منا تجربته الخاصة في فهم المصطلح.اللغة ليست أداة للتواصل بالضرورة، بل قد تكون عائقا أحيانا، وهذا ما حاول الفيلسوف اللغوي «فتجنشتين» شرحه بأسلوب مبسط في استكشاف العلاقة بين اللغة والحقيقة، وأن لكل واحد منا حقيقته الخاصة للكلمة، كما لو أن لكل امرئ صندوق بداخله شيء ولنطلق عليه مثلا «يرقة»، ولا يمكن لأحد أن ينظر لصندوق غيره، فأنا أعلم ماهية هذه اليرقة حين أنظر بداخل صندوقي، ورغم أن لهذه الكلمة استخداما في اللغة المشتركة، لكن يرقة صندوقي مختلفة، وقد يتباين شكلها كذلك من صندوق لصندوق، فأي يرقة في الصندوق هي الأرجح شكلا؟ هذا ما تساءلت عنه أليس «أيهما له الغلبة»؟ فكانت إجابة البيضة أننا ننزل على رأي الأقوى في مجتمع مستخدمي اللغة، وهذا لا يعني أبدا أنه الأدق.هل تعتبر اللغة أداة لتشويه الحقيقة؟ وهل الحذر منها أولى ضرورات التفلسف كما يردد العديد من الفلاسفة؟حيث يعود معظم مشاكل الفلسفة إلى سوء فهم استخدام اللغة، والطريق إلى تفكيك المشكلات الفلسفية هو في تحليل العبارات اللغوية للنصوص الفلسفية، وهذا ما تركز عليه مدرسة الفلسفة التحليلية، للتخلص مما يشوب التعبيرات اللغوية من لبس أو غموض أو خلط، وعلى فحص المعارف الموجودة أكثر من اكتشاف معارف جديدة، فالسؤال الرئيس هنا ليس «كم تعرف»؟ ولكن «ما هذا الذي تعرفه»؟.٭ استشارية تربوية