شاعرية المطر المفقودة
كما في عسير، كذلك في المنطقة الشرقية، ومدن أخرى في المملكة، تتكرر الحكاية السنوية لموسم الأمطار: يفزع الناس من مطر قادم، فيتناقلون تحذيرات رسمية وغير رسمية، ويحسبون حساب الخروج من المنزل لأعمالهم، وتوصيل أبنائهم إلى المدارس، ولا يستغربون حجمَ البرك والمستنقعات المتكونة في الشوارع والأحياء، ولا غرق الأنفاق ومباني المدارس، ودخولهم في معركة في الشوارع من أجل البقاء سالمين. هذا المشهد، لكثرة ما تكرر في السنوات الأخيرة، لم يعد مفاجئا، والصور والمقاطع المصورة التي يتم تناقلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ليست مفاجئة هي الأخرى، فيمكن توقع الكثير بخصوص البنية التحتية، والشوارع الغارقة بمياه الأمطار، لكن المسؤولين عن غياب التصريف الجيد لمياه الأمطار، ومنفذي مشاريع الأنفاق والمباني المنهارة بفعل قطرات المطر، قد يتفاجأون من عدم وصول الناس حتى الآن إلى حالة تبلد تجعلهم يكفون عن نقد من تسبب لهم في القلق على حياتهم بفعل أمطار موسمية.لن يكف الناس عن الكلام في كل موسم حين يتعلق الأمر بسلامتهم وسلامة أبنائهم، لكن يبدو أن بعض المسؤولين عن أزمة التصريف صامدون، لا يحرك فيهم صراخ الناس ساكنًا، وهم ربما يراهنون على ملل المواطنين من الشكوى، أو على أن صراخهم سيستمر ليوم أو أسبوع، قبل أن يجدوا موضوعًا آخر ينشغلون به، ما يعني أن عليهم تحمل أسبوع من الهجوم والنقد والشكوى ثم ينتهي الأمر. لن يتحرك هؤلاء ليجدوا الحلول الممكنة والسهلة لهكذا مشكلة، أو ليتحملوا مسؤوليتهم، والأسهل هو المراهنة على نسيان هذا الموضوع، حتى موعد المطر القادم.هذا المشهد السنوي المتكرر يصنع تغيرًا في نظرة الناس تجاه المطر، ففي بلاد يفترض أن تترقب مياه الأمطار بشوقٍ بالغ، نظرًا لقلتها، بات الناس يخشون على حياتهم من نزول المطر. كذلك، لن نجد ربما ما يُكتَب تغزلًا بالمطر والسحاب الذي يحمله، فهذه الصورة الشاعرية للمطر تتلاشى، لصالح صورة المطر الكاشف لأمور تحتاج لمعالجة، والموضح لحقيقة البنية التحتية ومشاكلها، والداعي للمحاسبة والمكاشفة. صورة الأمطار في مواقع التواصل الاجتماعي ليست مصحوبة بقصيدةٍ تُبَشِّر بعشبٍ ينمو مع هطول المطر، أو أوراق تُزهِر، بل بخطرٍ قادم، ووجوب توخي الحذر، وقلق من المطر إذا استمر، أو تزايدت كميته.«أتعلمينَ أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟»، يتساءل بدر شاكر السياب بشاعرية بالغة في قصيدته الشهيرة «أنشودة المطر»، وليس في ذهنه أن الحزن الذي يبعثه المطر اليوم، هو حزن على تردي البنية التحتية، وعلى التعاطي مع أمطار موسمية كما لو أنها أعاصير.