الخلايا والذئاب في قاموس الإرهاب
الفشل الذريع الذي عانت منه التنظيمات الإرهابية بسبب اعتمادها على (الجبهات المكشوفة أو المفتوحة)، خنق تحركاتها ودفعها إلى حصر عملياتها الإرهابية في نطاق (إرهاب الوحدات الصغيرة) وذلك باستخدام تكتيكات الخلايا النائمة، والخلايا العنقودية، والذئاب المنفردة، والتنظيم الخيطي، وهذه المسميات يستخدمها المتخصصون في شأن مكافحة الإرهاب، ويتناولها الإعلام بكثافة هذه الأيام، وسوف أقدم في هذا المقال شرحاً لها، وسأحاول إعطاء كل مصطلح منها حقه، لعلي أسهم معكم باليسير في مكافحة الإرهاب. مصطلح الخلايا النائمة (sleeper cells) مرتبط بمفهوم الطابور الخامس أو طابور العملاء، وتسمى خلاياه أحياناً (خلية العملاء النائمين) الذين ينتظرون الأوامر لينفذوها، ومن ضمن أعمال أفراد هذه الخلية التجسس وتجنيد الشباب الجدد ونشر الفكر الإرهابي، ولهم أحياناً واجهات يتخفون تحت مظلتها كالنشاط الخيري أو التجاري أو حتى العمل الوظيفي المتخصص أو غير المتخصص، وحين إيقاظ هذه الخلايا من سباتها واستدعائها في الوقت المحدد، يطلق عليها (خلايا فاعلة ونشطة) بدلاً عن خلايا نائمة، وقد تكون مهمتها جمع المعلومات العسكرية والأمنية والاقتصادية، أو نشر الإشاعات لزعزعة الأمن الداخلي وخلخلة البناء الاجتماعي، أو القيام بالاعمال الارهابية المباشرة كأعمال العنف والاغتيالات والتفجيرات وإثارة الفتن والقلاقل وزعزعة الأمن والاستقرار، وقد تعمل على تحريض الأقليات وإثارة الطائفية والعنصرية وقتل الأبرياء والمدنيين أو ترويعهم. الخلايا النائمة أنواع، منها الخلايا النائمة المنظمة، وهي المتواصلة مع القيادات الإرهابية والمؤهلة والمهيأة من كافة النواحي اللوجستية والتدريب والتموين، وتقوم هذه الخلايا- في ساعة الصفر- بقطع اتصالاتها بالقيادة وبجميع وسائل الاتصال، وتتخلص من جميع المعلومات التي في هواتفها النقالة والحاسوبات، وتتجه لتنفيذ المهمات الموكلة لها، والنوع الثاني منها هو الخلايا (جديد التشكيل)، وهذا النوع لم يمارس التدريب بعد؛ لأنه جديد الانضمام، وأفراده يمارسون حياتهم في المجتمع بشكل طبيعي، وقد توكل إليهم مهمات جمع المعلومات فقط في هذه المرحلة. أما (الخلايا العنقودية)، فهو مصطلح مشتق من شكل عنقود العنب الذي تتفرع منه عناقيد صغيرة، بكل تعقيداتها وتداخل حباتها وتباعدها عن بعضها، وتستخدمها التنظيمات الإرهابية لكونها ذات أبعاد تدميرية كبيرة، كما أنها بعيدة عن التسلسل الهرمي والتشكيل العمودي الذي يمكن تتبعه بسهولة، وقد يكون لهذه الشبكة الارهابية عدة خلايا عنقودية لا تعرف بعضها، ولا تعرف أهداف الخلايا الأخرى، ويشرف على كل عنقود من هذه الخلايا قائد لا يعرفه سوى شخص واحد من أفراد الخلية من أجل تلقي التعليمات وتنفيذها. الإرهابيون يفصلون عمل كل خلية عنقودية عن الأخرى، بحيث في حال اكتشاف قائد (عنقود) واحد من الخلايا، يقوم هذا القائد بتفجير نفسه، لتضيع المعلومات معه، دون التأثير فى كشف العنقود الرئيسى أو ما يفضح العناقيد الأخرى، أي انه في حال سقوط (عنقود) واحد من تلك الخلايا، لا يعنى سقوط العناقيد الأخرى، ومن هنا جاءت تسميتها بالخلايا العنقودية. رجال الأمن يدركون أن سقوط خلية واحدة يعني أن باقى الخلايا الأخرى ستصبح أكثر توترًا وتهوراً وتعجلاً في تنفيذ عملياتها، خوفا من أن ينكشف أمرهم؛ لذا تتخذ الأجهزة الأمنية كافة الاحتياطات في مثل هذه الحالة وتقوم بعملياتها الأمنية الاستباقية، وتشل تحركات الارهابيين، ثم إن الإطاحة بالخلايا العنقودية لا يعد ضعفاً فيها، وإنما قوة من رجال الأمن وجودة أدائهم الذي كشفته لنا نجاحاتهم وإنجازاتهم المتميزة هنا وهناك في الأيام القليلة الماضية. (الذئب المنفرد) هو شخص غائب الضمير، يؤمن بالفكر المتطرف والدموي، وقد يكون له تاريخ جنائي أو يعاني من اضطرابات نفسية، أو تعرض عبر شبكة الانترنت لنوع من الشحنات الملغومة بالأفكار الإرهابية التي تؤجج لديه المظلمة الجماعية أو المظلمة الدينية، ويكون انتماؤه للمنظمات الارهابية عن طريق التطوع التلقائي، دون أن تكون له علاقة مباشرة أو واضحة بالتنظيمات الإرهابية، بل إنه فرد يقوم بأعمال عنف بشكل منفرد لصالح التنظيمات الارهابية، ويطلق على الذئاب المنفردة (مناصرين أو مؤيدين) للتنظيمات الإرهابية، وقد عرَفت إحدى الدراسات ظاهرة (الذئاب المنفردة) بأنها عملية شخصية يتبنى خلالها الفرد مُثلًا وتطلعات سياسية أو اجتماعية أو دينية متطرفة، ومهمة القضاء على (الذئاب المنفردة) مهمة صعبة، وقد قالت عنهم الشرطة الأوروبية (اليوروبول): (الهجمات التي ينفذها الذئاب المنفردة تشكل خطرًا كبيرًا في أوروبا، ومن الصعب رصدها ووقفها)، كما وصفتهم صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بالكابوس الجديد، بينما قالت عنهم صحيفة ديلي تلجراف البريطانية: (إنها التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية في العالم). (التنظيم الخيطي) هو أسلوب تُستخدم فيه الخلايا النائمة المتمركزة في أماكن جغرافية بعيدة عن أماكن تواجد القيادة الارهابية، أي أفرادها يعيشون في بلاد أخرى تختلف عن البلاد التي يقيم فيها قيادات التنظيم الارهابي، والافراد المنتمون الى هذه الخلايا يكتسبون خبراتهم عن طريق الشبكة العنكبوتية (الانترنت)، ويقومون بعمليات الاشتراك في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي عبر الانترنت دعماً للجبهة الدعائية للتنظيمات الإرهابية.