المؤتمرات والملتقيات.. حاجة أم ترف؟
لا يكاد يمرّ علينا يوم دون أن نقرأ أو نسمع أو نرى إعلاناً لمؤتمر ما أو ملتقى أو منتدى أو ورشة عمل أو ندوة، إلى آخر تلك المسميّات التي قد تتشابه في ظاهرها العام وتختلف في مضمونها، والتي صنّفها المجتمع الدولي تحت بند الصناعة ولقبها بصناعة الاجتماعات، ونحن هنا لا نتحدث عن معارض المنتجات الاستهلاكية أو التجارية بل نُركّز جل حديثنا عن المناسبات العلمية والبحثية المعنية بالجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ونظراً لشُحّ الإحصائيات المتوافرة في هذا الجانب (كما هو معتاد) لذا سأفترض إقامة مناسبة واحدة فقط يومياً من تلك المناسبات بمختلف مسميّاتها في المملكة العربية السعودية قاطبة، وبناء على ذلك نحن أمام إقامة أكثر من 300 مناسبة سنوياً إن لم تكن أكثر من ذلك، وإذا ما وضعنا تكلفة افتراضية تقريبية لكل مناسبة من تلك المناسبات فنحن أمام مئات الملايين إن لم تكن مليارات من الريالات التي تُصرف على إقامة هذا النوع من المناسبات، فهل نحن بحاجتها فعلياً ولها أثر مستدام وإضافة نوعية أم تحوّل الأمر دون أن ندرك لنوع من أنواع (البريستيج) المجتمعي الواجب علينا القيام به!عناوين تلك المناسبات جذّابة وبعضها ذو مضمون عميق جداً ولا يختلف أحد على أهميتها كونها رافداً علمياً حضارياً تنموياً مهماً تهتم به وتدعمه حتى قيادات الدولة، حيث يحرص خادم الحرمين الشريفين على رعاية وحضور العديد من المناسبات والبعض الآخر من تلك المناسبات يهتم بحضورها سمو ولي العهد وزير الداخلية وكذلك سمو ولي ولي العهد، إضافة إلى دعم أمراء المناطق وأصحاب المعالي لتلك المناسبات والمتمثّل إما بالرعاية أو بالحضور، وبمشاركة وحضور آلاف بل ملايين المتحدثين من مختصين وباحثين وأساتذة ومفكرين وكتّاب على مدار العام من داخل أو خارج المملكة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها إضافة إلى تبادل الكثير من الخبرات وتعزيز البحوث العلمية وغير ذلك من الفوائد التي لا يمكن حصرها، لذا إقامة هذا النوع من المناسبات هو نوع من الاستثمار المجتمعي وأحد أوجه حضارة أي دولة، فما العائد على هذا الاستثمار ROI؟ وما مؤشرات الأداء KPIs التي يمكن من خلالها قياس نجاح تلك المناسبات؟دائماً ما تخلص تلك المؤتمرات والمتلقيات والمنتديات أو ورش العمل والندوات إلى توصيّات أو أوراق عملٍ أغلبها للأسف يذهب أدراج الرياح، حيث تشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن 20% فقط من تلك التوصيات أو أوراق العمل فقط هو ما يتم تنفيذه ومتابعته، لذا نحن أمام معضلة هدر فكري ومالي كبيرة لا تتلاءم مع توجهات برنامج التحوّل الوطني 2020 ولا مع رؤية 2030، وأكثر ما يؤرق مضجعي هو عندما نمتلك موارد غنيّة سواء بشرية أو مالية أو غيرها ويتم إهدارها بهذا الشكل أو لا تتم الاستفادة منها بالشكل الأمثل. ولكن الأمر الذي يدعو للتفاؤل هو أن الدولة قد أولت اهتماماً كبيراً بهذه الصناعة من خلال قرار مجلس الوزراء رقم 246 الصادر بتاريخ 17 رجب 1434هـ والذي نصّ على تحويل اللجنة الدائمة للمعارض والمؤتمرات إلى برنامج وطني للمعارض والمؤتمرات، وبغض النظر عن اختلاف المسمّى وما حجم الأثر الذي أحدثه على أرض الواقع، فإني ومن هنا أطلب من هذا البرنامج أو من إحدى الجهات الحكومية ذات الاختصاص العمل على متابعة مخرجات تلك المؤتمرات والملتقيات والندوات وورش العمل والمنتديات متابعة فنيّة بحتة وليس متابعة رقابية فقط، إضافة لإعداد قواعد بيانات لها والوقوف على توصيات وأوراق عمل تلك المناسبات ومتابعة تنفيذها كي نجني العائد من تلك الاستثمارات وألّا يقتصر دور تلك الجهات الحكومية المنظمّة أو الرقابية على إصدار التصاريح فقط. يقول يوليوس قيصر (ما نفعله بسرعة لا نفعله بإتقان) لذا أمر كهذا يجدر بنا أن نتأنّى بتنفيذه ونعظّم من فوائده وألّا نحوّل حاجتنا إليه لِترف.دمتم بخير،،،